للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال النبي- عليه الصلاة والسلام-: "العرش فوق الماء والله فوق العرش". وقال: "إن الله كتب كتابًا عنده فوق عرشه إن رحمتي سبقت غضبي". إلى غير ذلك من الأقوال الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ف ثبوت علو الله بذاته.

وأما السنة الفعلية فإنه قام مقام الخطبة في أعظم مشهد شهده وهو يوم عرفة حين خطب الناس ووعظهم وذكرهم، ثم قال لهم: "ألا هل بلغت؟ " قالوا: نعم، قال: "اللهم اشهد- يرفع أصبعه إلى السماء وينكتها إلى الناس-، اللهم اشهد". يعني عليهم، بأنهم أقروا بأني بلغت، ورفعه إلى السماء إشارة إلى أي شيء؟ إلى علو الله عز وجل ثم أعادها مرة أخرى ومرة ثالثة كل هذا تأكيد لعلو الله عز وجل، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يرفع يديه في الدعاء بمشهد من الصحابة- رضي الله عنهم- في خطبة الجمعة لما دخل الأعرابي قال: "ادع الله يغيثنا" رفع يديه، وقال: "اللهم أغثنا"، هذه سنة فعلية.

أما الوصف الثالث للسنة وهو الإقرار فإنه سأل جارية لمعاوية بن الحكم قال لها: "أين الله؟ " قالت: في السماء، قال: "أعتقها فإنها مؤمنة". ولو كان الله عز وجل ليس في علو لكان ينكر على هذه المرأة فتكون سنة إقرارية.

الثالث من أنواع أدلة العلو: الفطرة التي فطر عليها كل إنسان- بل كل مخلوق- على أن الله تعالى في السماء، من علم النملة أن الله في السماء؟ ما فطر الله عليه الخلق، وإلا فهي لم تدرس، لكن بفطرتها التي فطر الله الخلق عليها علمت أن الله تعالى في السماء، أيضًا الإنسان بفطرته لولا أن الشياطين تجتال بعض الخلق ما كان ينصرف قلبه إذا دعا الله إلا إلى السماء؛ ولهذا كان أبو المعالي الجويني- وهو من الأشاعرة- يقرر إنكار استواء الله على العرش، يقول: إن الله كان ولا مكان، أو وليس شيء غيره وهو الآن على ما كان عليه، فقال له أبو العلاء الهمداني: يا أستاذ، دعنا من ذكر العرش، لماذا؟ لأن دليل استواء الله على العرش ثابت بالسمع، يعني: لولا أن الله أخبرنا أنه استوى على العرش كنا لا نعلم، فأخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا؟ ما قال عارف قط بالله وجد من نفسه ضرورة بطلب العلو، من أين أتت، هل تنكر هذه؟ لا تنكر، ولهذا أقر الجويني به واعترف، فجعل يضرب على رأسه ويصرخ ويقول: حيرني الهمداني ويكررها لأنه ما يقدر أحد أن ينكر هذه الفطرة، حتى العامي الذي في سوقه إذا قال: يا رب، أين يذهب؟ إلى السماء، هذا دليل فطري لا يمكن إنكاره أبدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>