للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعني: انصرفوا إليها، والانفتال معناه: الانصراف، ومنه: فتل الحبل، لأنك إذا فتلته يعني تلويه فهو ليِّ وانصراف؛ حيث إنهم انفتلوا إلى العير لشدة حاجتهم، وظنوا أن الأمر لا يبلغ هذا المبلغ وإلا لو علموا أنه يبلغ هذا المبلغ هل ينصرفون؟ لا، فظنوا أن هذا الانصراف منهم لا حرج عليهم فيه لشدة حاجتهم؛ حيث إن هذا الأمر قد بلغ بهم هذا المبلغ، فخرجوا حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلًا، من هم؟ لم يُعيَّنوا، لكن بالتأكيد أن أبا بكر الصديق، وعمر، وعثمان، وعليًّا، هؤلاء الأجلة لا بد أن يكونوا موجودين، وقوله: "إلا اثنا عشر رجلًا" "رجل" هذه تمييز للعدد "إلا اثنا عشر"، وقوله: "إلا اثنا عشر" محله من الإعراب أنه منصوب على الاستثناء.

يُستفاد من هذا الحديث عدة فوائد: الفائدة الأولى: أن المشروع في خطبة الجمعة أن يكون الإنسان قائمًا لقوله: "يخطب قائمًا"، وفي القرآن ما يعضد ذلك: {وتركوك قائمًا} [الجمعة].

ويستفاد منه: لوم من خرج من المسجد للتجارة، بل ولغير التجارة بعد الأذان؛ لأن الآية في مقام اللوم.

ويُستفاد من هذا الحديث: أن الجمعة تنعقد باثني عشر رجلًا لقوله: "لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلًا"، ولكن لمعارض أن يعارض فيقول: لعلهم رجعوا قبل أن يتم خطبته، فصاروا أربعين، ولمعارض آخر أن يقول: إنهم صاروا اثني عشر رجلًا على سبيل الصدفة والاتفاق، ولو كانوا أقل من ذلك لم يتغير الحكم، فالأول يقوله من يرى أن العدد لا بد أن يكون أربعين، والثاني يقوله من يرى أنه لا يشترط أن يبلغ اثني عشر رجلًا، ولكن في كلا الجوابين نظر، أمّا الذين يقولون لعلهم رجعوا فإننا نقول: الأصل عدم الرجوع، والثاني: ظاهر الحديث أنهم ما رجعوا؛ لأنه قال: "لم يبق إلا اثنا عشر رجلًا"، ولم يقل: ثم رجعوا لكان يجب أن يذكر لما فيه من زوال اللوم عنهم.

وأمّا الثاني: فنقول لمن قال: إن هذا وقع على سبيل التشريع، نقول: من يقول لك هذا؟ ما ظنك هل لو خرجوا اثني عشر ولم يبق إلا ثلاثة أو أربعة يسبب أن الحكم يتغير؟ لا يتغير؛ لأن الأصل بقاء الحكم على ما كان عليه، وقد قررنا فيما سبق كثيرًا على أن المسائل التي تقع اتفاقًا ليست تشريعًا، وغاية ما فيها أن تكون مباحة فقط، وذكرنا من ذلك نزول الرسول- عليه الصلاة والسلام- ليلة المزدلفة نزل فبال، وتوضأ وضوءًا خفيفًا ثم ركب حتى أتى "مزدلفة" فهل نقول: إنه يشرع للحجاج أن ينزلوا هذا الشعب ويبولون؟ لا، ليس بمشروع، كذلك أيضًا كون الرسول- عليه الصلاة والسلام- قدم إلى مكة في حجة الوداع في اليوم الرابع، وبقي يقصر الصلاة، هل نقول: من قدم في اليوم الثالث لا يقصر؟ الجواب: لا، لا نقول ذلك؛ لأن كون

<<  <  ج: ص:  >  >>