للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن خير الصفوف بالنسبة للرجال أولها؛ لأنه الذي يلي الإمام فيكون أتبع للإمام، ويكون من ورائه متبعًا له، ثم إن فيه حثًا للتقدم إلى الخير وترغيبًا فيه، وأن شر الصفوف بالنسبة للرجال آخرها؛ لبعدهم عن الإمام، وكلما بعد الإنسان عن الإمام قلَّت متابعته وإنصاته لقراءته، ويخبر كذلك بأن خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها لبعد الآخر عن مخالطة الرجال والقرب منهم، ويكون في ذلك بعد عن الفتنة. ففي هذا الحديث عدة فوائد أولًا: ثبوت التفاضل بين الأعمال؛ أي: أن الأعمال تتفاضل فيكون بعضها أفضل من بعض وهذا أمر ليس فيه شك، ولكن يلزم من تفاضل الأعمال تفاضل العمال، فيكون الناس أيضًا يتفاضلون بأعمالهم، فيؤخذ منه: الردُّ على طائفتين مبتدعتين وهم: الخوارج والمعتزلة؛ لأن هؤلاء يقولون: إن الإيمان لا يتفاضل إما أن يوجد كله أو يعدم كله، وهذا لا شك في أنه ضلال وخطأ.

ومن فوائد هذا الحديث: الحثُّ على الصفوف الأول بالنسبة للرجال، لقوله: "خير صفوف الرجال أولها"، والأول الذي له الأولوية المطلقة، أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس لو يعلمون ما فيه لاستهمُّوا عليه؛ يعني: لكانت قرعة.

ومن فوائد هذا الحديث: أن خير صفوف النساء آخرها، وهذا فيمن يصلين مع الرجال، أما إذا كانت صلاة النساء جماعة منفردة عن الرجال فالظاهر أن خيرها أولها؛ لأن الحكمة التي من أجلها كان آخرها خيرها إنما تكون في صلاتهن مع الرجال، فإذا صلين جماعة في البيت أو في مدرسة أو ما أشبه ذلك، فإن الظاهر أن الأول أفضل مما بعده.

ومن فوائد هذا الحديث: البيان الظاهر على أن الشارع يتشوف إلى ابتعاد النساء عن الرجال، وهذا أمر واضح لأنه صلى الله عليه وسلم لو كان يتشوف إلى بعد النساء عن الرجال، لكانت كالرجل يستحب لها أن تتقدم إلى الخير كما يتقدم الرجل، لكن هذا دليل واضح، يعني: حتى في أماكن العبادة لا ينبغي أن تقرب من الرجال بل تبعد عنهم فيكون في هذا: إبطال لما يلهث به بعض الناس اليوم من السير خلف ركب غير المسلمين، حيث يحاولون أن يجعلوا النساء مختلطات مع الرجال، هؤلاء في الحقيقة ما نصحوا لله ولا لرسوله ولا لأئمة المسلمين ولا لعامتهم ولا نصحوا حتى أنفسهم في الحقيقة ما نصحوا لها؛ لأنهم بذلك يضيعون رعاية أهلها؛ إذ إن أهلهم وإن حافظوا عليهم فإنهم سيفعلون ما فعلوا الناس ولا أحد يرتاب بأن مخالطة المرأة للرجل خطرها عظيم، لا يصاب في ذلك إلا أحد رجلين: إما رجل له مآرب يريد أن ينفذها باختلاط النساء بالرجال، وإما رجل عديم الشهوة لا يعرف أن علاقة الرجل بالمرأة -إذا قرب

<<  <  ج: ص:  >  >>