نسي أو اختصر هنا، المهم "تصدق به على زوجك" فيبدأ بعد نفسه بالزوجة؛ لماذا؟ لأن الإنفاق على الزوجة إنفاق على النفس في الواقع، كيف ذلك؟ إذا لم تنفق على الزوجة قالت: طلقني وتجبرك على الطلاق، فإذا طلقتها معناه: أنك حرمت نفسك من التمتع، إذن فالإنفاق على الزوجة عائد إلى مصلحة الزوج نفسه، فيكون الإنفاق عليها من باب الإنفاق على النفس: ولهذا يبدأ بها قبل الولد وقبل الوالدين، ثم إن نفقتها معاوضة عوضًا عن الاستمتاع بها، وإذا منع العوض فلصاحب الحق أن يمنع المعوض فيعود الضرر على الإنسان نفسه.
قال:"عندي آخر، قال: تصدق به على خادمك""الخادم" بعد الولد، لماذا؟ لأن الولد لا انفكاك منه لكن الخادم تستطيع أن تنفك منه، بماذا؟ إن كان مملوكًا بعته، وإن كان حرًا فسخت الأجرة بينك وبينه، وذهب إلى غيرك، لكن الولد مشكل. فكم دينارًا عندنا في هذا الحديث؟ أربعة دنانير، أولًا على النفس، ثم على الزوجة، ثم على الولد، ثم على الخادم، فقال: عندي آخر قال: "أنت أبصر به" معناه: ضعه حيث شئت في المساجد، في إصلاح الطرق، في أي شيء شئت؛ يعني: بعد الأمور المرتبة أنت أبصر به.
مسألة: هل يقدَّم الوالد على الولد في الصدقة؟
في هذا الحديث لم يذكر الوالد فاختلف العلماء هل الوالد مقدَّم على الولد أو العكس؟
فقال بعض العلماء: الولد مقدم على الوالد لماذا؟ قال: لأنه بضعة منك فيكون مقدمًا.
وقال بعضهم: إن الوالد مقدم على الولد؛ لأن الوالد يجب بره، وبره أوكد من صلة الابن، الابن الإحسان إليه من باب صلة الأرحام، والوالد من باب بر الوالدين وهو أعظم الحقوق بعد حق الله ورسوله، وهذا هو الأقرب أن يبدأ بوالديه، ولكن لاحظوا أن هذه المسألة مفروضة في أن الوالدين لا يمكن أن يقوما بنفقتهما لكبرهما أو مرضهما أو ما أشبه ذلك وإلا لكان الولد مقدمًا، فإذا فرضنا أن أحدا من الناس عنده دينار إما أن يعطيه ولده الصغير الذي لا يستطيع أن يكتسب لنفسه كأن يكون له سنتان مثلًا، أو يكون أبوه كبير بحيث يستطيع أن يتكسب لكن لا يريد العمل، أيهما نقدم هنا؟ نقدم الولد؛ لأن الأب بإمكانه لو يريد العمل، ولكن إذا فرضنا المسألة أنه لا يمكن أبدًا أن يكتسب لا الأب ولا الابن فحينئذ يحصل الخلاف الذي ذكره أهل العلم أو يقدم الوالد.
هذا الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم في الترتيب يعد جوابًا على سؤال السائل، هل السائل حين سأل يريد أن يعرف الحكم ويجعل هذا العلم في جيبه، أو يريد أن يجعل هذا العلم ظاهرًا في سلوكه؟ الأخير؛ لأن هذه هي حال الصحابة- رضي الله عنهم-.
ومن فوائد الحديث: مشروعية الصدقة لقوله صلى الله عليه وسلم: "تصدَّقوا"، وكل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فإنه