ولكن هنا سؤال: إذا كان الإنسان إماما فالأمر إليه إن شاء جلس وإن شاء لم يجلس، لكن هل يسن أو لا يسن؟ على حسب التفصيل الذي سمعتم، لكن إذا كان مأمومًا فهل يجلس أو لا يجلس؟ فالجواب: المأموم نبع للإمام، إن جلس الإمام جلس، وإن لم يجلس فلا يجلس لقول النبي صلى الله عليه وسلم:((إنما جعل الإمام ليؤتم به)). فإن جلس فاجلس، وإن لم يجلس فلا تجلس، لكن هل هذا على سبيل الوجوب إذا لم يجلس الإمام ألا أجلس، أو على سبيل الاستحباب؟
صرح شيخ الإسلام بأنه على سبيل الاستحباب؛ يعني: إذا كان المأموم يرى الجلسة سنة، أو كان في الحالة التي يكون فيها الجلسة سنة؛ فالأفضل ألا يجلس إذا كان الإمام لا يجلس، وكأنه رحمة الله، عدل عن القول بالوجوب؛ لأن الجلسة هذه خفيفة لا تؤدي إلى مخالفة ظاهرة للإمام، وإلا لكان الأصل أنه لا يجوز الجلوس من أجل متابعة الإمام.
فإن قال قائل: لا يجلس تبعًا لإمامه، وأن نقول: لو أن الإمام ترك التورك تدينا والمأموم يرى أنه سنة فإنه يتورك، ولو ترك الإمام رفع اليدين عند الركوع والرفع منه والقيام للتشهد فاقتدينا؛ فإن المأموم يرفع يديه إذا كان يرى ذلك، فما الفرق؟
فالجواب: ظاهر الجلسة فيها نوع مخالفة للتخلف عن الإمام، وأما الرفع فليس فيه التخلف، غاية ما هنالك أنه خالفه في كونه رفع يديه، وكذلك يقال في التورك؛ لأن بعض العلماء يقول: لا يتورك وبعض العلماء يقول: يتورك في كل تشهد بعده سلام، وعلى هذا فيتورك في الفجر في الثنائية، وإذا كنت لا أرى التورك فلا أتورك، هذا هو الفرق.
هل قال أحد بوجوب جلسة الاستراحة؟ الجواب: حكي بعضهم الإجماع على أنه لا قائل بذلك، وادعى بعض المتأخرين المتشددين في إتباع السنة أن ذلك واجب؛ يعني: الجلسة للاستراحة، واستدلوا بأنه جاء في بعض روايات البخاري لما ذكر السجدة الثانية قال:((ثم ارفع حتى تستوي قاعدًا))، لكن هذه الرواية أشار البخاري رحمه الله نفسه إلى أنها شاذة، وإذا كانت شاذة فلا عمل عليها.
فالصواب: أن تجعل جلسة الاستراحة سنة لمن احتاج إليها لمرض، أو كبر، أو وجع في الركب، أو ما أشبه ذلك، وإلا فلا، ثم حديث مالك أمامنا الآن يقول:((حتى يستوي قاعدًا)) لابد من استقرار، ولهذا سماها الفقهاء جلسة الاستراحة، أما ما يفعله بعض الناس الآن يريد أن يجلس الجلسة تجده يجلس لحظة ثم يقوم، وهذا لم يأت بالسنة، فإما أن يستوي قاعدًا، وإما أن يترك، أما أن يأتي بنصف السنة فهذا كالذي يقرأ:{الم* تنزيل} السجدة في فجر الجمعة ويقسمها نصفين.