هذا الحديث يدل على عدة فوائد: أولًا: تحريم كسر عظم الميت إذا كان معصومًا، يؤخذ من قوله:"ككسره حيًّا"، ومن المعلوم بالنص والإجماع أنه لا يجوز الاعتداء على الحي بكسر عظمه. ويستفاد من الحديث: أنه لا يجوز للإنسان أن يتبرع بعد موته لأحد بشيء من أعضائه، لماذا؟ لأنه يلزم منه فصل هذا العضو عن الجسد، وفصله لا يجوز، ولهذا قال فقهاء الحنابلة: لا يجوز أن يفصل منه عضو بعد موته ولو أوصى به، قال مثلًا: إذا مت فخذوا من جسدي كذا وكذا لفلان؛ فإنه لا يجوز.
ويستفاد من الحديث: أنه لو ضاق القبر على الميت فإنه يجب أن يوسع حتى يمتد كاملًا، ولا يفعل كما يفعل بعض الجهال- والعياذ بالله- حيث ذكر لنا أن بعضهم إذا كان الميت قبره ضيقًا كسر عظامه وضم بعضه إلى بعض- والعياذ بالله- فإن هذا شناعة عظيمة، بل الواجب أن يبقى الميت على ما هو عليه بدون إهانة له.
ومن فوائد الحديث: أنه لو وجد شخص متقطع بحادث فإنه يضم بعضه إلى بعض، كما أن الحي لو تقطع أوصاله ثم أمكن جبرها فإنها تجبر، كذلك الميت يضم بعضه إلى بعض وتربط ويصلى عليها.
فإن قلت: لو وجد بعض حي مثلًا: رجل أصيب بحادث وانقطعت يده أو رجله وهو حي: فهل يصلى على رجله؟ لا؛ لأنه ما خرجت روحه هو حي، أما لو وجد بعض ميت بأن يكون هذا الإنسان أصابه حادث وتلف جسمه إلا رجله فإنه يصلى عليه- يصلى على رجله، وكذلك لو وجد جملته وفقد بعض أعضائه فإنه يصلى عليه، وقولنا في أثناء الشرح:"كسر عظم الميت ككسره حيًّا" قلنا: لابد أن يكون الميت معصومًا وهو المسلم والذمي والمعاهد والمستأمن، أما الحربي فإنه يجوز أن يكسر عظمه؛ لأنه لا حرمة له، ولكن إذا كان ذلك على سبيل التمثيل فإنه لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التمثيل كما مر علينا في حديث بريدة:"لا تمثلوا". أما إذا لم يكن على سبيل التمثيل فإنه لا بأس به، كيف ذلك؟ يعني مثلًا: انتهت الحرب وما أردنا أن نغيظ هؤلاء الكفار، ولكننا أردنا أن ننتفع بهذه الأعضاء من هذا الميت الكافر فالظاهر أن ذلك جائز؛ لأنه ليس من التمثيل به، وقد سبق لنا أنهم إذا مثلوا بنا فإننا نمثل بهم.