للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاسّعوا إلى ذكّر الله} [الجمعة: ٩]. حيث إن ظاهر الآية ينافى ظاهر الحديث، الآية أمرٌ بالسعي، والحديث أمر بالمشي، والمراد بالسعي في الآية: الإسراع والمبادرة، وليس المراد بذلك أنك تمشي مسرعًا.

وقوله: "فامشوا إلى الصلاى وعليكم السكينة" "السكينة" مبتدأ، و"الوقار" معطوف عليه، والخبر قوله: "عليكم"، والجملة في موضع نصب على الحال من الواو في قوله: "امشوا".

هل يجوز أن نقول: "وعليكم السكينة والوقار" ونجعل "عليكم" اسم فعل أمر أو لا يجوز؟ ييجوز إذا لم تمنع منه الرواية؛ ولهذا قال العلماء: يجوز فيها النصب على أن "عليكم" اسم فعل أمر، ولكن الحديث بالرفع، والمعنى: أن السكينة تكون عليكم.

السكينة والوقار هل هما لفظتان مترادفتان أو لفظتان متغايرتان؟ تقدم لنا مرارًا أن الأصل في العطف المغايرة، وعلى هذا فهما لفظتان متغايتان، فما وجه التغاير بينهما؟ السكينة في الجوارح، والوقار في القلب، السكينة في الجوارح يعني: يتحرك حركات غير مناسبة، والوقار بالقلب والهيئة يكون وقورًا كأنَّما ذهب إلى محل حياء وخجل وشرف هكذا ينبغي.

وقوله: "علكم السكينة والوقار ولا تسرعوا" "لا" نافية، ولهذا جزمت الفعل بحذف النون، والواو فاعل، " ولا تسرعوا في المشي" وليس لا تسرعوا في التجهيز للصلاة، بل "لا تسرعوا في المشي"؛ لأن الإسراع ينافي السكينة والوقار.

"فما أدركتم فصلوا" "ما" هذه شرطية، وفعل الشرط "أدركتتم"، وجوابه: "فصلوا" أي: فما أدركتم من الصلاة مع الإمام فصلوا، "وما فاتكم فأتموا" ما فاتكم يعني: من صلاة الإمام، "فأتموا" أي: فأتوا بإتمامها.

ففي هذا الحديث: يأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أمته إذا سمعوا الإقامة للصلاة أن يذهبوا إليها بهذا الوصف بسكينة الجوارح، ووقار القلوب والهيئة، وألا يسرعوا؛ لأن ذلك ينافي الأدب، فأن إذا خرجت من بيتكفإنكك تخرج لتقف بين يدي الله عز وجل في بيت من بيوته، فينبغي أن تكون ملتزمًا بهذا الوصف الذي بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم، وأنت حينما تخرج من بيتك متوضئًا ومتطهرًا فإنك لا تخطو خطوة إلا رفع الله لك بها درجة، وحطَّ عنك بها خطيئة، إذن فأنت في عبادة، وعليه فلا ينبغي لمن كان في عبادة أن يكون غير وقور ولا ساكن.

ويقول لنا رسول الله صلة الله عليه وسلم: "لا تسرعوا"، لأن الإسراع أو العجلة خفة في المرء، وعدم أدب ووقار، فلا ينبغي أن يكون كذلك.

ثم يرشدنا -عليه الصلاة والسلام- إلى الدخول مع الإمام على أي حال وجدناه: "فما أدركتم

<<  <  ج: ص:  >  >>