للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"ويخونون ولا يؤتمنون" أي: تظهر فيهم الخيانة والغدر والخديعة، "ولا يؤتمنون"، أي: لظهور خيانتهم لا يأتمنهم الناس.

"وينذرون ولا يوفون"، "ينذرون" بمعنى: يعاهدون، وهو شامل للمعاهدة بينهم وبين الله، والمعاهدة بينهم وبين الخلق.

ولا يوفون؛ لأنهم لا يهتمون بالعهود، "ويظهر فيهم السمن"؛ وذلك لانفتاح الدنيا عليهم، وكثرة أكلهم، وترفيه أبدانهم ولا يهتمون بحياة القلوب وسمن القلوب، وإنما يهتمون بالأجسام، فتجد الواحد منهم ليس له عن إلا كم وزنه، ممكن أن يزن نفسه في اليوم والليلة مرتين إذا أراد أن ينام وإذا استيقظ هكذا سمعنا عن بعضهم، سمعنا أيضا عن بعضهم أنه يزن نفسه كل أسبوع كأنه قطعة لحم يجلب نفسه على الناس، وهذا لا داعي له، أنت ما دام الله قد عافاك فأنت صحيح، اعمل في طاعة الله، وإذا سقمت، فمن مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما.

في هذا الحديث: دليل على فضل القرن الأول وهم الصحابة، والفضل هنا باعتبار الجنس والقرن لا باعتبار كل واحد، إذ أنه قد يوجد في التابعين من هو خير من الصحابة للأمة في علمه وتعليمه وجهاده وغير ذلك، لكن في الصحابة فضل لا يمكن أن يدركه أحد وهو الصحبة هذا الفضل المطلق في الصحبة لا يناله أحد، لكن الفضل باعتبار أنواع العبادات وأفعال العباد لا شك أنه يوجد من التابعين من هو أفضل من بعض الصحابة.

وأضرب لكم مثلا: رجل جاء وافدا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وبقي معه يوما أو يومين وأخذ منه ما شاء الله من الأحكام، ثم خرج إلى إبله وإلى أهله ومات ولم ينتفع الناس به، وآخر من التابعين نفع الله به الأمة بعلمه ونقله للحديث ودعوته للحق وجهاده في سبيل الله، أيهما أفضل كم حيث أنواع الأفعال؟ الثاني أفضل، لكن الأول يمتاز عليه بالصحبة التي لا يمكن أن ينالها إلا من صحب النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن فوائد الحديث: أن التابعين أفضل من تابعي التابعين، والمراد أيضا: الجنس، يعني: جنس التابعين أفضل من جنس تابعي التابعين، وليس المراد: كل فرد من هؤلاء أفضل من كل فرد من هؤلاء؛ لأن في تابعي التابعين من هو أفضل من التابعين.

والتابعون لا يتميزون بصحبة حتى نقول: إننا لا يمكن أن نفضل من بعدهم عليهم مطلقا، بل هم مثل تابعي التابعين من حيث فقد الصحبة في كل منهما، لكن في الجملة وباعتبار الجنس: التابعون أفضل من تابعي التابعين، ثم الذين يلونهم وهم تابعو التابعين، ثم بعد ذلك تتغير الأحوال، تحدث شهادة الزور والخيانات والغدر؛ ولهذا قال: "ثم يكوم قوم يشهدون ولا يستشهدون".

<<  <  ج: ص:  >  >>