فعله مستمر دائم، وهي من أخوات "كان" ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، فـ"الرجل" هنا اسمها، والخبر "يسأل".
وأما قوله:"حتى يأتي يوم القيامة"، فـ"يوم" هنا فيها إشكال فهي هنا منصوبة، وهل الفاعل يكون منصوبًا؟ لا يكون منصوبًا إذن كيف جاع منصوبًا هنا؟ الفاعل هنا مستتر تقديره هو، و"يوم" ظرف.
قوله:"مزعة" بمعنى: قطعة؛ لأن وجهه- والعياذ بالله- حيث أذله أمام الناس في سؤال الدنيا جاء يوم القيامة وقد أزيل لحمه حتى كان عظامًا- والعياذ بالله- عقوبة له على ما حصل منه في الدنيا من إذلال وجهه، هذا هو الصحيح في تفسير الحديث وهو ظاهره.
ففي هذا الحديث عدة فوائد؛ منها: أن سؤال الناس من كبائر الذنوب، وجهه: الوعيد عليه وأن الإنسان السئول الذي لا يزال يسأل الناس يعاقب بهذه العقوبة العظيمة.
ومنها: إثبات البعث لقوله: "حتى يأتي يوم القيامة".
ومنها: أن الجزاء من جنس العمل؛ لأن هذا الرجل لمَّا أذل وجهه في الدنيا أمام عباد الله، أذله الله يوم القيامة أمام عباد الله، وذلك بنزع لحم وجهه.
ومنها: أنه يجب على الإنسان أنه إذا سأل أن يسأل الله؛ لأن الإنسان لا بد أن يكون في حاجة، فإذا كان ممنوعًا من سؤال الناس، فمن يسأل؟ يسأل الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس:"إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله". فأنت إذا ألجأتك الضرورة فلا تسأل إلا الله صلى الله عليه وسلم فإنه هو الملاذ، وهو الذي يؤمل في كشف الضر وجلب الخير.
أورد المؤلف هذا الحديث والمناسبة فيه ظاهرة؛ لأن الباب صدقة التطوع، والناس يعطون السائلين، ففي هذا تحذير للسائلين من أن يسألوا ما لا يستحقون، ولكن بالنسبة للمسئول فإنه يعطي ما دام يغلب على ظنه أن هذا الرجل فقير في هيئته ولباسه، فإن غلب على ظنه أنه غني فهل يعطه أو لا؟ ينظر في ذلك للمصلحة إن كان في إعطائه مصلحة أعطاه، وإلا منعه ونصحه، بل حتى وإن أعطاه فلينصحه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يسأل شيئًا عن الإسلام إلا أعطاه حتى كان يعطي المؤلفة قلوبهم يعطيهم الشيء الكثير من الإبل والغنم والمتاع والدراهم تأليفًا لقلوبهم، فإذا جاء هذا السائل ورأيت من المصلحة أن تؤلف قلبه بإعطائه، وإن كنت يغلب على ظنك أنه ليس أهلًا فإن إعطاءه لا بأس به؛ لأن بعض الناس قد يسأل وهو غني، فإذا لم تعطه ذهب يٌسيء إليك ينشر اسمك بالسوء بين الناس؛ فإذا أعطيه اتقاء شره وتأليفًا لقلبه فهذا لا بأس به.