باختلاف الناس والأوقات، ولهذا قد يكون الأكل إسرافًا في حق قوم وغير إسراف في حق آخرين، كذلك في الثياب قد يكون هذا الثوب، إذا لبسه شخص يكون إسرافًا وإذا لبسه آخر لم يكن إسرافًا، أيضًا يدخل في اللبس الإسراف في العدد مثلاً إنسان - وهذا أكثر ما يكون في النساء - يمكن أن يكفيها سوار أو سواران يحصل به التجمل، فتأتي بعشرة أسوار! ! هذا إسراف، وفيه أيضًا قلوب الآخريات الآتي لا يجدن من الذهب، وقوله:«تصدق في غير مخيلة» لأن الإنسان قد يتصرف خيلاء وإعجابا ورياء، لكن في غير سرف هل الصدقة إسراف؟
نعم كيف ذلك؟ أن يقصر في الواجب ويتصدق بالمندوب، نقول: هذا حق ولا نقول هذا إسراف نقول: هذا قدم النفل على الواجب، ولا بأس أيضًا أحيانًا أن يتصدق الإنسان بكل ما يملك إذا وثق بنفسه أنه لن يسأل الناس، كما فعل أبو بكر رضي الله عنه لكن عندي - والله أعلم - أن يقال: إما أن المعنى أنه يزيد على حاجة المعطي هذا يكفيه، أو يقال أن قوله:"من غير سرف" عائدة على الأكل والشرب واللبس، أما الصدقة فيعود عليها قوله:"ولا مخيلة"، فتكون من غير سرف ولا مخيلة يعود على الأكل والشرب واللبس وأما الصدقة فتختص بالمخيلة أن يتصدق خيلاء وإلا فلاشك أن الإنسان ينبغي له أن يبذل من الصدقة، وكل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة. في هذا الحديث قاعدة مهمة جدًا في الاقتصاد، يعني: أن الإنسان يأكل ويشرب ويلبس ويتصدق لكن على وجه لا إسراف فيه ولا مخيله، ففيه إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يكون مقتصدًا في إنفاقه وهو كذلك، ولهذا يقال في المثل ما عال من اقتصد يعني ما افتقر من اقتصد، ويقال: الاقتصاد نصف المعيشة، وكثير من الناس لا يهتم بالإنفاق، متى وقع في يده قرش أنفقه، وهذا غلط؛ لأن الإنسان ينبغي أن يكون معتدلاً، {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يفتروا}، وفيه أيضًا الإشارة إلى الضروريات الدينية والدنيوية، الأكل والشرب واللبس من الضرورات الدنيوية والصدقة مما يحتاج إليه الإنسان في الآخرة لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة». والإنسان محتاج يوم القيامة إلى ظل.
ومن فوائد الحديث: وجوب اجتناب الإسراف والخيلاء لقوله: «من غير سرف ولا مخيلة».