للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فوائد الحديث: أنه لا ينبغي للإنسان أن يضيق على نفسه في الأمور التي أطلقها الله ورسوله؛ لأن التضييق على النفس يوجب الحرج والمشقة سواء كان ذلك في تبيان الحكم أو العمل، فإن الإنسان إذا شق على نفسه شق الله عليه كما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تشددوا فيشدد الله عليكم»، سواء كان ذلك في الحكم أو في التطبيق، فمثلاً في التطبيق بعض الناس يتشدد في الطهارة أو في أقوال الصلاة أو في أفعالها فيشدد الله عليه، فبدلاً من أن يغسل يديه ثلاث مرات يغسلها ست مرات؛ لأنه شدد على نفسه أو في العمل، تحده مثلاً في العمل يريد أن يشدد يقرأ القرآن بالتجويد كما زعم فتجده عند خروج الحاء يخرجها حتى يكرها كراً في حلقومه، وربما تأخذه السعلة من أجل هذا عند القلقلة يقلقل حتى كأنما قلقل رجليه من الأرض، وهكذا أيضا في بقية القواعد التجويدية فيتنطع ويزيد على المشروع، فإذا شدد، شدد الله عليه، ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه في وصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم أقل الناس تكلفاً ليس عندهم تكلف لا في العمل ولا في التطبيق، كذلك إذا شدد الإنسان، شدد الله عليه في الحكم، بمعنى: أنه قد يوجب على نفسه ما لم يوجب الله عليه إذا كان قد انتهى زمن التشريع، وقد يوجب الله عليه ما لم يجب إذا كان في زمن التشريع؛ ولهذا امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة في رمضان صلاة التطوع، وقال: «إذا خشيت أن تفرض عليكم» يعني: أن تلتزموا بها فتفرض عليكم، ولما أمر موسى- عليه الصلاة والسلام- قومه أن يذبحوا بقرة ما رأيكم لو أخذوا أي بقرة وذبحوها أكان يجزئ؟ يجزئ، ولو فعلوا هذا لسهل عليهم الأمر، لكن قالوا: {ادع لنا ربك يبين لنا ما هي} [البقرة: ٦٨] ما هذه البقرة، ما عملها، ما سنها، ما لونها؟ قال في الجواب الأول: {لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون} [البقرة: ٦٨] لكن ما فعلوا، فجاء السؤال عن اللون ما لونها، قال: {إنها بقرة صفراء ليست صفراء فقط فاقع لونها- كالذهب تسر الناظرين} [البقرة: ٦٩] ثلاثة أوصاف: صفرة، فقوع اللون، سرور الناظرين، هذا فيه تشديد ما انتهوا، وفي هذه الآية ما قال: افعلوا ما تؤمرون لأن الذين عتوا في الأولى سيعتون في الثانية، قالوا: {ادع لنا ربك لنا ما هي إن البقر تشابه علينا} أفهامهم حجر، وقالوا: {وإنا إن شاء الله لمهتدون} [البقرة: ٧٠] ما جزموا، قال: {إنه يقول إنها بقرة إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث مسلمة لا شية فيها} أي: لا عيب فيها، ثم صاروا هم الحكام وليس موسى هو الحاكم، قالوا: {الئن جئت بالحق} هم الذين حكموا بأن هذا هو الحق، {فذبحوها وما كادوا يفعلون} [البقرة: ٧١] فالمهم: أن الإنسان إذا شدد على نفسه فإنه يشدد عليه مثلا ظن أن ظروف ثوبه

<<  <  ج: ص:  >  >>