حتى لو كانت البلد شيوعية، إذا علمنا أن الذي يتولى الذبح كتابيون أو مسلمون؛ لأنه يوجد الآن مسلمون في بلاد شيوعية يتولون المذابح إذا قالوا: إنهم مسلمون أو كتابيون، قلنا: هي حلال، فإذا قال: لا ندري من يتولى الذبح أهم مشركون وثنيون أو كتابيون أو مسلمون لا ندري والبلد خليط من هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء، فماذا نصنع؟ نقول: الأكثر، إذا كان الأكثر يمكن أن يتولى الذبح، فإن كان الأكثر هم التجار والأغنياء والذين لا يمكن أن يتولوا الذبح فلا عبرة بالأكثرية هنا، لأننا نعتبر الأكثر فيما إذا كان الاحتمال وارداً أن يكون الذابح هو الأكثر أم لا، وإذا كنا نعلم أن الأكثر هم الكبار الأغنياء الذين لا يمكن أن يتولوا الذبح سقط الترجيح بالأكثرية حينئذ، ويبقى الآن أنه يوجد صعوبة إذا سقطت الأكثرية أو إذا سقط الترجيح بالأكثر سيبقى الأمر مشكلاً تماماً، فنقول في هذا الحال: اترك لا تأكل لكن أنا أخبركم بالنسبة للبلاد السعودية أنه جرى مناقشة هذا الأمر في هيئة كبار العلماء ودعوا وكلاء الوزارة مرة أو مرتين يسألونهم كيف ترد إلينا هذه الذبائح؟ فقالوا: إن هناك أناساً موكلين بالإشراف، وأنه لا يمكن أن يرد إلى المملكة إلا ما أشرف على ذبحه وأنه بطريق شرعي ونحن في ذمة غيرنا، لكن من أراد أن يسلك الورع فهذا شيء آخر بشرط أن يكون للورع محل، أما إذا كان الورع من باب التنطع فإنه ليس بورع.
فإن قال قائل: وهو يورد الكتابيون في الوقت الحاضر ملاحدة لا يؤمنون إيمان عيسى ولا إيمان موسى.
قلنا: ولو كان الأمر كذلك ما داموا ينتسبون إلى اليهودية أو النصرانية، فإنهم وإن كانوا مشركين ذبائحهم حلال، والدليل أن الله تعالى قال في سورة المائدة:{وطعام الذين أوتوا الكتب حل لكم وطعامكم حل لهم}[المائدة: ٥] وقال في نفس السورة {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة}[المائدة: ٧٣] فكفرهم عز ووجل مع أنه حكم بحل ذبائحهم؛ لأنهم ينتسبون إلى هذا الدين، ثم نقول: مجرد ما يبقون على دينهم بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا كفاراً، أي: بمجرد ما يأبون دخول دين الإسلام، فالمسألة ليست مسألة كفر وإيمان، هم وإن طبقوا اليهودية والنصرانية مائة في المائة فهم كفار بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسألة ليست مسألة كافر أو مؤمن، بل المسألة أنه منتسب لأهل الكتاب، إذا انتسب لأهل الكتاب حلت ذبيحته وإن كان ملحداً في دينه.