للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنهم لن يعافوا كثير من الناس إذا فعل المعصية قام يتحدث بها افتخارًا أو استهتارًا وعدم مبالاة أو دعوة للضلال، يريد من الناس أن يقتدوا به ويعملوا بعمله، لكن المؤمن لا يفعل هذا، فنقول: استتر بستر الله، "وليتب إلى الله".

الحديث إذا ضح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بأمرين: الاستتار وعدم الإصرار، يؤخذ عدم الإصرار من قوله: "وليتب إلى الله" أي: ليرجع إلى الله من هذه المعصية، فيندم ويستغفر ويعزم على ألَّا يعود، قوله: "فإنه من يبد لنا صفحته" يعني: ما عمل؛ لأن الصفحة هي الجانب الذي يكتب فيه الشيء، والمعنى: من أبدى لنا عمله فإننا نقيم عليه الحد الموجود في كتاب الله فمن جاءنا مقرًّا بالزنا ماذا نقيم عليها؟ نقيم عليه حد الزنا إما الجلد والتغريب وإما الرجم، حسب ما تقتضيه الحال.

في هذا الحديث فوائد أولًا: "جوب اجتناب المعاصي، لقوله: "اجتنبوا هذه القاذورات وتأكيد ذلك يستقبح كالزنا واللواط لقوله: "القاذورات".

ومن فوائده: إرشاد من ألمّ بشيء منها أن يستتر ويتوب إلى الله لقوله: "فمن ألمَّ بها فليستتر بستر الله ونحن نقول: إرشاد، ولا نقول: وجوب؛ لأنه لو كان واجبًا لمنع النبي صلى الله عليه وسلم من إقرار الذين أقروا عنده بالزنا، ولقال لهم: استتروا ولا تقروا؛ لكن هذا من باب الإرشاد أن الإنسان يستتر بستر الله، وربما يكون الآن غضبان على نفسه لكن فيما بعد تطمئن نفسه ويتوب إلى الله وتصلح حاله.

ومن فوائد الحديث: وجوب التوبة لقوله: "وليتب ولعل قائلًا يقول: كيف تقول في اللام في قوله: "فليستتر" أنها للإرشاد والاستحباب، وتقول في قوله: "فليتب" إنها للوجوب، وهل هذا إلَّا تفريق بين كلمتين في نص على نسق واحد؟ الجواب: نعم، هو كذلك، لكن التفريق ليس مأخوذًا من هذا الحديث، وإنما هو من أدلة أخرى، فالتوبة من الذنب واجبة بالنص والإجماع: {وتوبوا إلى الله جميعًا أيُّه المؤمنون لعلَّكم تفلحون} [النور: ٣١]. وعلى هذا فقوله: "فليتب" الأمر للوجوب.

ومن فوائد الحديث: أن من أقر عند الحاكم بذنب وجب على الحاكم أن يقيم عليه ما يستحقه بهذا الذنب لقوله في الحديث: "فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله".

ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يربط الوقائع والأحكام بكتاب الله حتى يألف الناس الرجوع إلى كتاب الله عز وجل، فإن لم يكن في كتاب الله فليربطهم بالسُّنة، ولا مانع أن يضم إلى ذلك الدليل العقلي الذي نسميه الدليل النظري؛ لأن الدليل العقلي حجة على الشاك بالأدلة الشرعية وزيادة طمأنينة فيمن آمن بالنصوص الشرعية، وكثير من الناس لا يقبل الحكم الشرعي

<<  <  ج: ص:  >  >>