ولو قيل له: قال الله ورسوله إلَّا إذا قيل: بأنه كذا وكذا ثم ذكر له التعليل، ولاسيما إذا كان ناقص الإيمان، ولهذا نحث إخواننا طلبة العلم إلَّا يهدروا الدلالة العقلية مطلقًا وألَّا يعتمدوا عليها مطلقًا، بل يجمعوا بينها وبين النصوص الشرعية التي تسمى الأدلة السمعية ويركز عليها مع الخصم الذي لا يقر بالأدلة السمعية، ولهذا نجد الله في القرآن الكريم يضرب الأمثلة العقلية لإقرار المنكرين مدلول خطاب الشرع مثلًا الذين أنكروا إحياء الموتى ضرب الله أمثلة عقلية وحسية، أما العقلية فقال {وهو الَّذي يبدءوا الخلق ثمَّ يعيده وهو أهون عليه}[الروم: ٢٧]. هذا دليل عقلي؛ لأن القادر على الابتداء قادر على الإعادة، وأما الحسية فإنه سبحانه يضرب مثلًا بالأرض هامدة:{فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزَّت وربت إنَّ الَّذي أحياها لمحي الموتى إنَّه على كلِّ شيءٍ قديرٌ}[فصلت: ٣٩]. نجد الذين اعتمدوا على الأدلة العقلية ضلوا مثل المعطلة وأصحاب الرأي، وحدِّث ولا حرج مثلًا يجوز أن تزوج المرأة العاقلة الرشيدة نفسها، كما يجوز أن تبيع ما لها هذا دليل عقلي قياسي كله عقلي، لكن هذا مصادم للنص، فضل الذين قالوا بذلك لاعتمادهم على العقل دون الرجوع إلى السمع، ونجد مثلًا الذين أنكروا صفات الله عز وجل اعتمدوا على العقول وهي في الحقيقة أوهام وليست حقيقة يتوهمون من كذا وكذا، وكذا مما يجعلهم ينكرون.
فالحاصل: أنك لا تهمل الأدلة العقلية، ولا تعتمد على الأدلة السمعية دون النظر إلى الأدلة العقلية، مثلًا أهل الظاهر يقابلون أهل الرأي، أهل الظاهر اعتمدوا على ظواهر النصوص ولم يرجعوا إلى العقل إطلاقًا، حتى إنهم من جمودهم على الظاهر قالوا: إن الإنسان لو ضحى بثنية من الضأن لم تقبل أضحيته، ولو ضحى بجذعة قبلت أضحيته، أيهما أولى بالقبول؟ الثنية، لكن قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا تذبحوا إلَّا مسنة إلَّا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن"، هذا جمود على ظاهر بعيد من العقل، وقالوا: إن الرجل إذا جاء لابنته البكر وقال: يا بنية، إن فلانًا خطبك، فقالت: نعم الرجل فلانًا ديانة وعلمًا ومالًا وشجاعة أنا لا أطلب إلَّا مثل هذا الرجل فزوجنيه، قالوا: هذه لا نزوجها؛ لأن الرسول قال: إذنها وهي بكر أن تسكت، أما إذا صرحت فلا نزوجها، إذن ماذا نصنع؟ نعيد عليها الاستئذان فإذا أعدناه عليها وسكتت حينئذٍ نزوجها، فأقول: إن الجمود على الظاهر دون أن يعرف مغزى الشريعة وأسرارها وحكمتها هذا أيضًا خطأ.