١١٧٤ - ورواه البيهقيُّ: عن عليٍّ رضي الله عنه من قوله بلفظ: "ادرءوا الحدود بالشُّبهات".
أحسن ما يكون ما روي عن علي من قوله:"ادرءوا الحدود بالشبهات" قوله: "ادرءوا" معنى: ادفعوا، و"الحدود" جمع حد، وهي العقوبة المقدرة شرعًا في معصية، وحكمتها: تكفير الذنب عن العاصي وردعه وردع غيره عن هذه المعصية في المستقبل، وخرج بقولنا:"العقوبة المقدرة شرعًا" التعزير، لأن التعزير ليس حدًّا، بل هو راجع إلى ولي الأمر، وليس القصاص من الحدود لا كما ظنه بعض الناس، بل القصاص حق للآدمي، له أن يعفو عنه إلى بدل وهي الدية، وله ان يعفو عن مجانًا، وأما الجدود فلا يستطيع أحد أن يدفعها ويعفو عنها إذا وصلت الإمام فلعن الله الشافع والمشفع له وقوله:"ما وجدتم لها مدفعًا"، يعني: ما وجدت لها دافعًا ولو من وجه يعيد.
ولكن هذا الحديث - بفضل الله - ضعيف؛ لأننا لو أخذنا بهذا لكنا نحاول بقدر المستطاع ألَّا يثبت حد؛ لأن قوله:"ما وجدتم" تشبه أن تكون شرطية أو مصدرية ظرفية؛ أي: مدة دوام وجودكم، فما دمت تجد مدفعًا فادفع، وهذا يؤدي إلى سقوط الحدود، وكذلك اللفظ الثاني "ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم"، هذا أيضًا يؤدي إلى إسقاط الحدود إذا كنا بقدر المستطاع ندرأ الحدود فمعناه: أننا نأتي بشبهة بعيدة ولو احتمالًا واحدًا من ألف احتمال، أما الذي روي عن علي فهذا واضح:"ادرءوا الحدود بالشبهات" يعني: إذا وجدت شبهة في وجوب الحد إما لخلل في البينة أو في الإقرار أو لاشتباه أن ينطبق عليه الحكم الشرعي أو لا فحينئذٍ ندعها؛ وذلك لأن الأصل براءة المسلم حتى تقوم البينة بأنه متلبس بهذا الذنب الذي يوجب الحد، ولهذا لو شككنا في الشهود على سرقة أو على قذف أو على زنًا فإنه يجب علينا أن تعمل الأسباب التي يزول بها الشك مثل أن نستشهد كل واحد على حدة، وأن نجمع بين شهادتهم، فإذا تناقضت عرفنا أنها شهادة باطلة، وإن اتفقت زال الشك عنها، وكذلك ننظر في حال المقر هل هو عاقل كامل العقل، أو هو ناقص العقل هل هو سكران أو غير سكران، هل هو ملجأ للإقرار أو غير ملجا وهلم جرًّا حتى نتبين، وذلك لأن الأصل براءة المسلم حتى يثبت ما يستحق به العقوبة ثم بعد ذلك نعاقبه، وعلى هذا فيكون المعتمد ما روي عن علي رضي الله عنه:"ادرءوا الحدود بالشبهات"، أما "ادرءوا الحدود ما استطعتم"، أو "ما وجدتم لها مدفعًا" فهذا لا يستقيم، ولذلك كان هذا الحديث ضعيفا في هذا الأثر عن علي رضي الله عنه.