لكم الإسلام دينًا} [المائدة: ٣]. المراد بالإسلام هنا: كل الشرع بظاهره وباطنه، والإيمان عند الانفراد يشمل الإسلام كما نقول: هذا مؤمن، فهو شامل للإيمان والإسلام، وأما عند الاقتران فإن الإيمان في القلب والإسلام ظاهر- في الجوارح- ويدل لذلك قوله تعالى:{- قالت الأعراب ءامنَّا قل لَّم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبكم}[الحجرات: ١٤]. وهذا واضح في أن هناك فرقًا بينهما، ويدل لذلك أيضًا حديث جبريل حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فأحابه، وسأله عن الإيمان فأجابه بما يخالف ما سبق، فدل هذا على أن الإيمان والإسلام شيئان متباينان عند الاقتران، أما إذا انفردا فهما شيء واحد.
وأما قوله تعال: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين (٣٥) فما وجدنا فيها غير بيتٍ من المسلمين} [الذريات: ٣٥ - ٣٦]. فلا يدل على اتفاق الإسلام والإيمان، بل يدل على افتراقهما؛ لأن البيت كل من داخله مسلمون، ولكن الذين خرجوا ونجواهم المؤمنون؛ لأن البيت يشمل لوطًا وامرأته ومن معه وبناته، امرأته في ظاهر الحال مسلمة ولهذا قال الله تعالى:{ضرب الله مثلًا كفروا امرأت نوحٍ وامرأت لوطٍ كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما .... }[التحريم: ١٠]، وهذا يدل على أنهما كانتا كافرين بدون علم من زوجيهما، إذن هي مسلمة والبيت يقال: بيت إسلام لكن الخروج ما كان إلا لمن كان مؤمنًا فقط، فالآية لا تدل على أن الإيمان والإسلام شيء واحد.
إذن لماذا فرق النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الميت بين الحياة والموت فقال:"أحيه على الإسلام"، وفي الموت:"توفه على الإيمان؛ لأنه أبلغ، وأيضًا في حال الحياة كون الإنسان جاريًا على الظاهر موافقًا للناس غير مخالف يكفي، لكن إذا نابذهم هذا المشكل، أما في حال الموت فالأمر بخلاف ذلك لأنه قد ولى.
ثم قال: "اللهم لا تحرمنا أجره" الأجر: هو الثواب، وسمي أجرًا؛ لأنه في مقابلة عمل، أو أنه سمي أجرًا؛ لأن الله عز وجل التزم لعبده كالتزام المؤجر للمؤجر بالأجرة؛ ولهذا سمي الله الصدقة قرضًا ففال:{مَّن ذا الَّذي يقرض الله قرضًا حسنًا}[البقرة: ٢٤٥]. فسماها الله قرضًا؛ لأنها بمنزلة القرض الذي يلتزم وفاؤه، فهنا أجره يعني: الثواب الذي كتب الله- سبحانه وتعالى- له، ولكن هل المراد أجر عمله؟ لا؛ لأننا لو دعونا الله عز وجل بألا يحرمنا أجر عمله لكنا في ذلك معتدين؛ لأن أجر عمله لنفسه، إذن الإضافة هنا لأدنى ملابسة، والمراد بأجره: الأجر الذي نكسبه من موته وذلك بتجهيزه والصلاة عليه ودفنه، وكذلك بالمصيبة به إن كان هذا الميت ممن يصاب به الإنسان، فيكون المراد؛ الأجر الحاصل لنا بما نقوم به على هذا الميت أو بما أصابنا بمصيبته، أما أجره الذي هو عمله فليس لنا فيه حق، حتى نسأل الله عز وجل ألا يحرمنا أجره.