"ولا تضلنا بعده"، تسأل الله عز وجل ألا يضلك بعده سواء كان هذا الميت من أهل العلم الذين يهدون الناس بأمر الله عز وجل، أو كان من غير أهل العلم؛ لأنه ربما إذا مات المسلم وهذا المسلم ربما لا يبقى في الناس إلا ضالة يضلون بعدهم فتسأل الله عز وجل ألا يضلك بعد هذا الميت.
نرجع إلى الفوائد، فيستفاد منه: أولًا: أنه ينبغي للإنسان أن يدعو بهذا الدعاء للميت؛ وهل يبدأ به قبل الدعاء الخاص أو يقدمه على الدعاء الخاص؟ نقول: الأمر في هذا واسع، إن قدّمه على الدعاء الخاص فيه مناسبة، وهي أن يبدأ بالدعاء العام الذي يشمل الميت وغيره ثم يأتي بالدعاء الخاص، والبداءة بالعام ثم الخاص موجدة في القرآن بكثرة منها ما مر علينا في التفسير قبل ليال: {واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزل عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به} [البقرة: ٢٣١]؛ لأن هذه الصلاة ما أقيمت إلا على هذا الميت فكان البداءة بحقه أولى.
ومن فوائد الحديث أيضًا: أنه ينبغي البسط في الدعاء لما في البسط من فوائد سبقت الإشارة إليها، نعيدها لن لم يسمع:
منها: زيادة الأجر؛ لأن الدعاء عبادة، فكلما زاد الإنسان في الدعاء زاد أجره.
ثانيًا: الإلحاح في الدعاء، والله عز وجل يحب الملحين في الدعاء.
ثالثًا: قد يبدو للداعي أشياء ما تخطر عليه لكنها تظهر له عند البسط في الدعاء، أن فيه زيادة ذل وخضوع لله عز وجل وهذا لا شك أنه يكسب العبد زيادة في الإيمان، المناجاة مع محبوبه، فكل محبوب يفرح بطول المناجاة معه، والدعاء مناجاة مع الله وكلما ازددت دعاء ازددت محبة لله عز وجل بمعنى: أن الإنسان بالتكرار قد يزداد خشوعًا لله عز وجل.
ومن فوائد الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك لأحد نفعًا ولا ضرًا، بدليل أنه دعا ولو كان يملك لقال: قد غفرت لحينا وميتنا، ولم يقل: "اللهم اغفر لحينا وميتنا".
ومن فوائد الحديث: ما يتضمنه الدعاء من شعور الإنسان بعلم الله وقدرته وكرمه، والشعور بالعلم؛ لأنك لا يمكن أن تدعو من لا يعلم، وقدرته لا تدعو من لا يقدر، وكرمه لا تدعو من لا يعطي ويتفضل، فالإنسان الداعي يشعر بذلك ولا شك، وهل هذا يكون دليلًا على إثبات السمع؟ نعم؛ لأن الله تعالى إذا لم يسمع كيف يجيب.
ومن فوائد الحديث: الفرق بين الإسلام والإيمان؛ لقوله: "من أحييته .... إلخ".
وقد يقلب الإنسان الدليل عليك ويقول: هذا دليل على أنه لا فرق بين الإسلام والإيمان، ولكن الرسول ذكر هذا من باب التفنن وأن الوفاة على الإيمان هي الوفاة على الإسلام.
ولكننا نجيب عن ذلك: بأن حال الإنسان عند الموت لا يناسبها إلا الإيمان؛ لأنه أكمل؛