ومن فوائد الحديث: أنه لابد أن يظهر ذلك الأثر أو يتبين لقوله: "إذا رأيتموهما"، فعلى هذا لو كانت بالشمس كسوف جزئي ما يرى إلا بطلبه فإن الظاهر أنه لا تشرع الصلاة؛ لأن هذا ليس فيه تخويف إذا كان لم يتبين ولم يظهر إلا بطلبه، فإننا نقول: الحمد لله الذي جعله لم يتبين، ولا نصلي حتى لو كنا نتوقع ذلك بسبب قول أهل الهيئة فإننا لا نصلي.
ومن فوائد الحديث: أنه لو حدثت آيات أخر أفقية أو أرضية لكنها خلاف العادة، فإننا هل نصلي أو لا نصلي؟ هذا موضع خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: إنه يصلي لكل آية خرجت عن المألوف فلو حدثت صواعق عظيمة متتابعة فخاف الناس منها فإنهم يصلون، ولو حدث زلزال في الأرض فإنهم يصلون، ولو حصل رياح مزعجة غير مألوفة فإنهم يصلون، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولكن بعض أهل العلم قال: لا يصلي إلا لكسوف الشمس والقمر فقط؛ لأنه في عهد الرسول- عليه الصلاة والسلام- وجدت الرياح، والعواصف، والرعد، والبرق، ولم يكن يصلي- عليه الصلاة والسلام-.
وقال بعض العلماء: يصلى للزلازل فقط دون غيرها من الحوادث، واستدلوا بما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى للزلزلة، فمن نظر إلى التخصيص- الشمس والقمر- قال: لا يصلي، ومن نظر إلى العلة- وهي: التخويف والخروج عن العادة والمألوف- قال: إنه يصلى صلاة الكسوف لكل آية الزلازل وغيرها، ومنه لو فرض أنه حصل في الليل ضياء خارج عن العادة بدون قمر كأن الشمس قريبة الطلوع فإنه يصلى؛ لأن هذا يرعب ويوحش، وكذلك لو حصل ظلمة في النهار غير مألوفة يعني: ما سبقها أسباب- من غيم أو قطر، ظلمة هكذا- فإنهم يقولون: هذه من الآيات المروعة، وهي أشد ترويعًا من كسوف الشمس؛ لأنها أقل وقوعًا فيصلي لها.
فأنا أقول- والله أعلم-: إن الاقتصار على ما جاء به النص أولى؛ لأن الذي جاء به النص يختلف عن الآيات التي ذكروها لأنه عام، فالقمر يشاهده كل من على وجه الأرض من ناحيته والشمس كذلك، لكن الزلازل نجدها في مناطق معينة، وكذلك العواصف والفيضانات وما أشبهها، والأصل في العبادات التوقيف حتى يتبين لنا أنها مشروعة.
ومن فوائد الحديث: مشروعية الصلاة والدعاء لقوله: "فادعوا الله وصلوا" والمشروعية ثابتة بالاتفاق لم يخالف في ذلك أحد من أهل العلم، ولكن هل ذلك واجب أو سنة؟ وإذا قلنا بالوجوب فهل هو فرض كفاية أو فرض عين، فها هنا ثلاثة احتمالات؛ نقول: أما الدعاء فإنه لا يجب بالاتفاق، وأما الصلاة ففيها خلاف، فمن أهل العلم من قال بوجوبها، وأنها فرض عين لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، والأصل في الأمر الوجوب حتى يقوم دليل على أنه لغير الوجوب،