للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "عن بيع فضل الماء" ما المراد بهذا الماء؟ المراد به شيئان: الشيء الأول: ما اجتمع بفعل الله عزَّ وجل في أرض من الأراضي كالغدران التي تجتمع من السيول، فهذا لا يجوز لأحد أن يستولي عليه بأن يبيعه على الناس، يعني: لو أن رجلًا جاء إلى غدير ثم تحجّره وصار يبيعه على الناس هذا حرام؛ لأن هذا الماء ليس من فعله، والناس شركاء في ثلاث: في الماء، والكلأ، والنار، فلا يجوز أن يبيعه، الوجه الثاني: أن يحفر الإنسان بئرًا فيصل إلى الماء، فهنا لا يجوز أيضًا أن يبيع نقع البئر؛ لأن نقع البئر من فعل الله هو الذي جمع هذا الماء في البئر فليس من صنعه، غاية ما فعلت أنك حفرت حتى وصلت إليه، أما الذي سلك الينابيع في الأرض وهو الله فلا يحلّ لك أن تبيعه؛ لأنك أنت والناس فيه على حدٍّ سواء، صحيح أنك أنت أحق به، ولهذا قال: نهى عن بيع فضله، أنت أحق به لا أحد يزاحمك إذا كنت محتاجًا إليه، لكن إذا لم يكن هناك حاجة فإنه لا يجوز لك أن تبيعه، هناك شيء ثالث للماء وهو أن تحوزه، يعني: تخرجه من الأرض وتحوزه في بركة أو تحوزه في إناء -مجمع يسمونه حوضًا أو خزانًا أو ما أشبه ذلك- فهذا ملكك، لك أن تبيعه؛ لأنك حزته في أمر يختص بك وجمعته في هذا الوعاء، ويدل لهذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار"، وقال: "لأن يمد أحدكم حبله فيحتطب فيأتي به ويبيعه خير من أن يسأل الناس"، والناس في الحطب شركاء، لكن هذا احتطبه وملكه عادة ثم جاء يبيعه فأجاز له النبي صلى الله عليه وسلم فهذا مثله، فصار الآن ثلاثة أوجه: وجهان ممنوعان ووجه جائز، الوجهان الممنوعان: ألا يحوز الإنسان في إناء وشبهه، ويكون حصول الماء بغير فعله مثل الغدير والشّعاب، وكذلك أيضًا نقع البئر؛ لأن الذي جمع الماء حتى صار في هذا المستقر هو الله عزَّ وجل، هذان الوجهان لا يجوز فيهما البيع، أما الوجه الثالث -وهو بعد أن تحوز الماء في رحلك في إناء- فلك أن تبيعه.

إذا قال قائل: في الوجهين الأولين: هل يجوز أن أمنع الماء؛ أي: أقول لأي إنسان: لا تدخل إلى هذا الغدير لتشرب منه؟

نقول: لا يجوز أن تمنع الناس؛ لأنهم شركاء لك في هذا الماء إلا بشرط أن يلحقك بهذا ضرر، بماذا؟ إما أن يدوسوا زرعك أو يطلعوا على عوراتك أو يأخذوا الماء كله على وجه يضرك وينقصك فحينئذٍ لك أن تمنع، فإذا خشيت الأذى أو الضرر فلك أن تمنع، لكن في الحال التي لا يجوز لك أن تمنع هل يجب استئذانه، وإذا استأذنه فهل يجب عليه الإذن؟ قال بعض أهل العلم: إنه لا يلزم استئذانه، وعليه فلك أن تدخل أذن أو لم يأذن، فإذا رأيت هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>