لابد فيها من تمليك، ولهذا قدرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع، والفرق بين قوله تعالى:{فإطعام ستين مسكينًا} وبين قوله: {صدقةٍ} الفرق بينهما ظاهر لأن صدقة فيها تمليك إلا أنها كانت مجملة في الآية وبينها النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع" صدقة الفطر قدَّرها النبي صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام وقال: "إنها طعمة للمساكين".
وإذا كان صاعًا من طعام علمنا أنه لا يكفي إطعامهم، بل لا بد من صاع، والصاع يملك، وعند التأمل يتبين لك أن الكفارات ونحوها ترد على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: ما قدر فيه المعطي والآخذ.
والثاني: ما قدر فيه المعطي دون الآخذ.
والثالث: ما قدر فيه الآخذ دون المعطي، أما ما قدر فيه المعطي والآخذ فهي فدية الأذى المعطي ثلاثة آصع والآخذ ستة مساكين، وما قدر فيه المعطى دون الآخذ، صدقة الفطر صاع من طعام، ولهذا يجوز أن تعطي الصاعين والثلاثة لواحد وأن تفر الصاع الواحد بين اثنين فأكثر؛ لأن المقدر فيها المعطي دون الآخذ، وما قدر فيه الآخذ دون المعطي كفارة الظهار، وكفارة اليمين كفارته إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، وفي الظهار قال الله تعالى:{فمن لَّم يستطع فإطعام ستين مسكينًا}.
ومن فوائد الحديث: أن الفقير والمسكين يتعاوران بمعنى أن أحدهما يكون بدل الآخر، وذلك عند انفراد أحدهما عن صاحبه فقوله تعالى:{إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله}[النور: ٣٢]. يشمل الفقير والمسكين، وقوله تعالى:{للفقراء المهاجرين}[الحشر: ٨]. يشمل الفقير والمسكين، وقوله:{فإطعام ستين مسكينًا} يشمل المسكين والفقير، وقوله:{إنَّما الصَّدقات للفقراء والمساكين}[التوبة: ٦٠]. يختلفان، الفقراء أشد حاجة من المساكين وهذا له نظائر أن تكون كلمتان عند الاجتماع مختلفتين وعند الانفراد متفقتين.
ليس في هذا الحديث بيان أنه يمسك عن الجماع مرة ثانية حتى يكفر، لكنه يؤخذ مما سبق أنه لو جامع قبل أن يكفر تمنعه من أن يعود مرة ثانية حتى يكفر، فيما لو جامع في أثناء الكفارة، مثلًا: جامع المظاهر منها بعد أن صام شهرين فهل يلزمه أن يعود أو يبني على ما مضى؟ نقول: إن جامعها بالنهار فلا شك أنه يعيد من جديد؛ لماذا؟ لانقطاع التتابع وإن جامعها ليلًا ففيه خلاف بين العلماء، وهل يستأنف أو يبني؛ لأنه لو صام من الغد فهل يكون