ومن فوائده أيضًا: فضيلة العلم، وأن الإنسان إذا خلف علمًا، وانتفع الناس به بعد موته فهو عمل له يكسب به أجرًا، الغالب أن انتفاع الناس بالعلم أكثر من انتفاعهم بالمال، والدليل على ذلك أنك ترى أهل العلم الذين انتفع الناس بعلمهم سواء انتفعوا بروايتهم أو بتفقههم تجد انتفاع الناس بهم منذ سنوات عديدة، والصدقات الجارية تندثر وتزول، انظر مثلاً: صدقة عمر رضي الله عنه التي تصدق بها في خيبر أين هي؟ تلفت، انظر إلى علم أبي هريرة تجده باقيًا، وكذلك علم عمر فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيما رواه تفقهًا، إنما العلم أعظم نفعًا، وأكثر وأعم من الصدقة الجارية.
ومن فوائد الحديث: إثبات مشروعية الوقف، وأن الوقف ليس من الأمور البدعية، بل هو من الأمور المشروعة؛ لأنه داخل في قوله:"صدقة جارية".
ومن فوائد الحديث: الحث على نشر العلم، وأنه ينبغي لطالب العلم أن ينتهز الفرص، وألا يدع فرصة تذهب إلا وهو ناشر لعلمه؛ لأنه كلما انتشر العلم كثر الانتفاع بالعلم، وكلما كثر الانتفاع، كثر الأجر والثواب، فينبغي لك أن تنشر العلم.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يشترط أن يكون العلم كثيرًا وافرًا؛ لأن كلمة علم نكرة، والنكرة تدل على الإطلاق، فهو علم بلا قيد، أي علم ينتفع به؛ فإنه ينفعك بعد موتك حتى لو علمت الناس بسنة من السنن الرواتب، أو بسنة مما يفعل أو يقال في الصلاة، وانتفع الناس بها بعد موتك، كان لك أجرها جاريًا كما قلت، وجه الدلالة من الحديث: أنه مطلق "علم ينتفع به" لم يقل: "علم كثير"، فكل علم ينتفع به ولو قل؛ فإنه يكتب للإنسان بعد موته، هل نقول: لو أن الإنسان أوقف شيئًا على طباعة كتب العلم هل يدخل في الصدقة الجارية أو في العلم الذي ينتفع به؟ في الاثنين؛ لأنه صدقة جارية وعلم ينتفع به؛ لأن الإعانة على العلم لها أجر العلم.
ومن فوائد الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يعتني بتربية أولاده على الصلاح؛ لقوله:"أو ولد صالح" ومعلوم أن التربية لها أثر كبير في إصلاح الأولاد، وأنت إذا اتقيت الله تعالى فيهم في التوجيه والأدب اتقوا الله فيك، وإذا أهملت حق الله فيهم فيوشك أن يهملوا حق الله فيك جزاءً وفاقًا، إذن نأخذ من كلمة "ولد صالح" أنه ينبغي - إن لم نقل يجب - أن يعتني بتربية أولاده على الصلاح.
ومن فوائد الحديث: أن الدعاء للميت أفضل من إهداء القرب إليه، يعني: أن تدعو له أفضل من أن تصلي له ركعتين، أو أن تتصدق عنه بدرهمين، أو أن تضحي عنه، أو أن تحج عنه، أو أن تعتمر عنه، فالدعاء أفضل، ووجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال - وهو يتحدث عن العمل -: "أو ولد صالح يدعو له" ولم يقل: أو ولد صالح يصلي له أو يتصدق عنه أو يصوم عنه أو ما