ظاهر الحديث أنه يخلد في النار ولا نعلم أحداً يخلد في النار دائماً إلا إذا كان كافراً لكن مذهب أهل السنة والجماعة أن مثل هذه النصوص الوعيدية يحملونها على النصوص الأخرى ولذلك انقسم أهل القبلة في أحاديث الوعد والوعيد فمنهم من غلب جانب الوعد ونسي جانب الوعيد وقال: كل نص ورد في الوعيد إنما هو في الكافرين، وأما المسلمون فإنه لا يلحقهم، فالمسلم عندهم مهما عمل من المعصية فإنه لا يلحقه إثم هذه المعصية ولو من كبائر الذنوب وهؤلاء هم المرجئة، وهذا لا شك أنه فتح بابٍ بل كسر بابٍ للعصاة، العاصي إذا اعتقد هذه العقيدة سيعمل أي معصية دون الكفر ويقول: الحمد لله الإيمان كامل، والإثم مرفوع ولا شك أن هذا باطل.
على العكس من ذلك قوم أخذوا بنصوص الوعيد وقالوا: إن نصوص الوعيد مطبقة على إطلاقها وليس فيها تقييد ولا رد للنصوص الأخرى وهؤلاء هم المعتزلة والخوارج فقالوا: كل نص وعيد فإنه نافذ، وإذا اقتضى الخلود في النار، فمن عوقب به فهو في النار لا يخرج منها أبداً وعلى هذا ينزل ظاهر الحديث الذي معنا الآن: أن من مات وهو غاشٌ لرعيته فهو مخلد في النار، لأنه ليس هناك إلا داران: إما الجنة وإما النار، فإذا حرمت الجنة لزم أن يخلد في النار وهذان طرفان كلاهما على غير الصواب، والصواب أن هذه النصوص الوعيدية مطلقة تقيد بالنصوص الأخرى الدالة على أن من في قلبه أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فإنه لا يخلد، وبذلك نعمل بين النصوص.
واعلم أن هذا هو شأن كل خلاف يقع في الأمة على طرفي نقيض فإن سببه أن الناظر ينظر من جانب واحد أي: ينظر أعور فينظر من جانب واحد ويحمل النصوص على هذا الجانب.
فإذا قال قائل: على مذهب أهل السنة كيف نخرج هذا الحديث وأمثاله؟
نقول: إن دخول الجنة دخولان: دخول مطلق لم يُسبق بعذاب، ودخول مقيد نسميه: مطلق الدخول وهو الذي يسبقه العذاب، فما المراد بالدخول هنا؟ يعني: أن الله يحرم عليه أن يدخل الجنة دخولاً مطلقاً لم يسبق بعذاب. إذن لابد أن يعذب ثم يدخل فيكون إلا حرم الله عليه الجنة يعني: إلا حرم الله عليه الجنة حتى يعاقبه.
فإذا قال قائل: إذا قلتم هكذا فهل تكون مثل هذه النصوص مخصصة لعموم قول الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}[النساء: ٤٨]؟ وأن يقال لمن يشاء إلا من ورد أنه لابد أن يعذب ولو لم يكن مشركاً فإنه لا يغفر له؟ نقول: هذا الاحتمال وارد وأننا نقول: إن النصوص الدالة على تعذيب فاعل شيء من الأعمال تخصص قوله: {ويغفر ما دون