مثال آخر: عمار بن ياسر بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فأجنب وليس عنده ماء، فتمرغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره، فقال:"إنما كان يكفيك أن تقول هكذا"، وذكر التيمم، ولم يأمر بإعادة ما سبق.
ثالثًا: الرجل الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم في أحد أسفاره يصلي معتزلًا القوم، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم:"لم؟ " فقال: أصابتني جنابة ولا ماء، فقال:"عليك بالصعيد فإنه يكفيك"، فهذا أيضًا يدل على أن الجاهل بالمأمور لا يؤمر بالإعادة، من أن نسيان المأمور أمر الشارع فيه بالإعادة. "من نام عن صلاة ... " الحديث، فظاهر السُّنة التفريق في باب المأمور بين الجهل والنسيان، فما هو الجواب عن هذا الظاهر؟
الجواب أن يقال: أما في مسألة المستحاضة التي كانت تترك الصلاة وهي مستحاضة فلأنها معذورة، لأنها تأوَّلت، كيف التأول؟ بنت على أصل، وهو أن كل دم فهو حيض، فتكون كما لو أخطأ المجتهد في تأويله فلا نقول: إن اجتهادك الثاني ينقض الاجتهاد، أو علمك بالدليل بعد اجتهادك بنقض اجتهادك، وكذلك نقول في قضية عمار بن ياسر؛ لأنه استعمل القياس لأن الذي يغتسل من الجنابة يغسل جميع بدنه فهو اجتهد وتمرغ، وقال: الآن وصل التراب إلى جميع البدن، وهذا قياس، إذن هو متأول. قصة الرجل الذي قال:"أصابتني جنابة، ولا ماء". نقول: من الذي قال: إن هذا الرجل كان عليه صلوات سابقة؟ قد يكون لم يفته إلا هذه الصلاة، ولما قال له الرسول صلى الله عليه وسلم:"عليك بالصعيد" فإنه سوف يتيمم ويصلي.
ثم نقول: أيضًا هذا الرجل بعد أن جاء الماء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم واستقى الناس وشربوا وسقوا الإبل وبقي بقية، قال للرجل: خذ هذا فأفرغه على نفسك، يعني: اغتسل به؛ لأن التيمم لا يرفع الحدث إلا رفعًا مؤقتًا ما دام الإنسان لم يجد الماء، فإذا وجده عاد عليه الحدث، فهذا هو الجواب على ما ذكره، وإلا فإن الأصل أن فعل المأمور لا بد منه، لكن بعض أهل العلم قال: إنه إذا كان ذلك المأمور أشياء كثيرة شاقة على الإنسان، وأنه بان على أصل، يعني: حديث عهد بالإسلام، ولم يعلم أن الصلاة واجبة، وترك الصلاة مدة طويلة، فإن هذا لا يؤمر بقضاء الصلاة وكذلك المسيء في صلاته؛ لأنه كان ليس في المدينة ولا يعلم والصلوات كثيرة.