ومن فوائد هذا الحديث: الإشارة إلى أن النجاسة يراد إزالتها بأي مزيل، ولذلك لم يجعل النبي - عليه الصلاة والسلام- أداة للتطهير في الجلد - جلد الميتة- إلا الدباغ، فلو أنك غسلته بماء البحر لم يطهر حتى يدبغ؛ لماذا؟ لأن النجاسة لا تزول إلا بهذا، فعلم من ذلك: أن المقصود بالتطهير من النجاسات هو إزالتها بأي سبب، يتفرع على هذه الفائدة ما يوجد الآن من غسيل الثياب في الأبخرة كثياب الصوف، فإذا غسلتها بالبخار وزالت النجاسة تطهر، وهذا هو ما دلت عليه السنة، وهو أيضا ما دل عليه النظر؛ حيث إن النجاسة عين خبيثة متى وجدت فحكمها باق، ومتى زالت فحكمها زائل.
ومن فوائد حديث سلمة بن المحبق ما سبق: أن جلود الميتة دباغها تطهير لها.
ومن فوائد حديث ميمونة: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على حفظ المالية وعدم إضاعة الأموال؛ حيث عرض عليهم أن يدبغوا جلد هذه الميتة حتى ينتفعوا بها، ولهذا قال:"لو أخذتم إهابها".
ومن فوائد الحديث: حسن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يباشر أمرهم بأخذه؛ لأنه يعلم أنهم تركوا ذلك استقذارا لها فلهم نوع من العذر، ولهذا عرض عليهم المسألة عرضا قال:"لو أخذتم إهابها".
ومن فوائد الحديث أيضا: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم الغيب؛ ولتنظر لهذه الفائدة لقولهم:"إنها ميتة"، فهل يصح أن تأخذ هذه العلة من الحديث لأن الصحابة أخبروه؟ في هذا نظر، لكن فيه دليل على جواز مجادلة العالم الذي يخشى أن يكون خفي عليه بعض الشيء وتنبيهه ولا يعد هذا تنقصا له، ولا يعد هذا سوء أدب ممن ناقشه، الدليل على هذا قولهم: إنها ميتة لما قال: "لو أخذتم إهابها" وذها عرض منه صلى الله عليه وسلم أن يأخذوه، قالوا: إنها ميتة، كيف نأخذه.
ومن فوائد هذا الحديث: أن دباغ الجلد - جلود الميتة- يطهره لقوله:"يطهرها الماء والقرظ"، ويتفرع على ذلك أنه يجوز استعماله في اليابسات والمائعات، وفي الألبان وفي المرق، وفي كل شيء.
فإن قال قائل: هل يجب علي إذا أتيت باللبن من سقاء جلد ميتة مدبوغ أن أخبر من أسقيه أو لا يجب؟ لا يجب حتى لو علمت أنه لو علم بذلك لن يشرب؟ الظاهر: نعم، حتى لو علمت؛ لأن ذلك لا يضره، أما لم أخف عليه شيئا يكون ضارا له، ونظيره ما مر علينا في مسألة الذباب، لو سقط الذباب في الشراب وغمسته وأخرجته، ثم قدمته لإنسان يشرب، وعرفت بأن هذا الإنسان لو علم بأنه لو سقط فيه الذباب ما شرب هل يجب أن أخبره؟ لا يجب ما دام الشيء لا يضر فإنه لا يجب؛ لأن هذا إنما يستقذره لو علم به، وإذا لم يعلم فالأمر طبيعي، ثم قال: