حديث ابن عباس من فوائده: أن دبغ الجلد يطهره لقوله: "إذا دبغ الإهاب فقد طهر"، ولكن يشترط في الدباغ أن يكون مزيلا للنتن والرائحة الكريهة، أما إذا لم يكن كذلك فإنه لا يؤثر شيئا.
ومن فوائد هذا الحديث: أن ظاهره أن أي إهاب دبغ فقد طهر حتى لو كان إهاب كلب، ولكن الراجح: أن هذا العموم يكون عموما معنويا على حسب الوصف الذي ورد عليه فلا يخص بذلك الجلد، أي: جلد الشاة المعينة، فالعموم نوعان: عموم لكل جلد، وعموم في جلد مقيد لصفة، فهنا إذا دبغ الإهاب ما دمنا عرفنا أن سبب ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر بشاة يجرونها، فمعلوم أن الشاة مما تحله الذكاة، فيكون المراد إذا دبغ الإهاب الذي من جنس الشاة فقد طهر.
فإذا قال قائل: كيف تخصصون الجلد أو النوع واللفظ عام؟
قلنا: نظيره أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا قد ظلل عليه وزحاما حوله، وكان في سفر فقال:"ما هذا؟ " قالوا: صائم، قال:"ليس من البر الصيام في السفر" أي: ليس من البر الصيام في السفر فيمن كان حاله كهذا الرجل، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر، حتى قال أبو الدرداء رضي الله عنه: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان في يوم شديد الحر، وأكثرنا ظلا صاحب كساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن رواحة، ومعلوم أن الرسول - عليه الصلاة والسلام- لا يدع البر ولا يفعل ما ليس ببر، وعلى هذا فيتعين أن يكون هذا العموم عاما في جنس من هذه حاله، وهذا لا ينافي قول العلماء: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ لأننا الآن لم نخصصه بالسبب، لو خصصناه بالسبب لقلنا: ليس من البر صيام هذا الرجل فقط، لكنا عممناه في جنسه، وهذا هو معنى قولنا: بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فعلى هذا يكون قوله:"إذا دبغ الإهاب". أي إهاب؟ إهاب هذا الجلد، يعني: الغنم، والغنم مما تحله الذكاة.
ومن فوائد إتيان المؤلف رحمه الله بلفظ الأربعة أصحاب السنن:"أيما إهاب": الإشارة بأن الأول في قوله: "الإهاب" في اللفظ الأول للعموم، حتى لا يقول قائل: إن "أل" للعهد "إذا دبغ الإهاب"، يعني: إهابكم هذا، وحينئذ نستفيد من هذا اللفظ ما استفدناه أولا أن الإهاب - أي إهاب كلن- من هذا النوع أو من هذا الجلد فإنه يطهر.