يأكلون الخنزير، وإذا كانوا يشربون الخمر وغسلناها هل يشترط ألا نجد غيرها فنستعملها أو لا يشترط؟ لا يشترط؛ ولهذا سنبين - إن شاء الله- التعليل الصحيح في هذه المسألة بعد الكلام على الفوائد.
من فوائد هذا الحديث: جواز مساكنة أهل الكتاب لقوله: "إنا بأرض قوم أهل كتاب"، ولكن هل هذا على إطلاقه؟
الجواب: لا، لأنه قد دلت النصوص على وجوب الهجرة على من لا يستطيع إظهار دينه، وظاهر الحديث: أن أبا ثعلبه رضي الله عنه يستطيع أن يظهر دينه ويتميز المسلمون عن الكافرين، لكن لو لم يتميزوا ولم يظهر دينه حرم عليه كما قال تعالى:{إن الذين توفهم الملئكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعفين}[النساء: ٩٧، ٩٨].
إذن نقول: في هذا الحديث دليل على جواز مساكنة أهل الكتاب في أرضهم لكن مشروط بأن يكون قادر على إقامة دينه، وإلا وجبت عليه الهجرة.
ومن فوائد هذا الحديث: حرص الصحابة - رضي الله عنهم- على السؤال وقوة ورعهم حتى إنهم سألوا عن هذه المسألة الخفيفة، وهكذا ينبغي للإنسان أن يسأل عن كل ما يشكل عليه، وأما كونه يسكت ويقول: إن كان حراما فالله غفور رحيم، أو يتلو هذه الآية:{ولا تسئلوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم}[المائدة: ١٠١]. فهذا حرام لا يجوز.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا يجوز استعمال أواني الكفار إلا بشرطين ولو أخذنا بظاهر الحديث لقال قائل: إنهم لو دعوك فلا تأكل في آنيتهم، ولكن هذا الظاهر غير مراد بلا شك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل في آنيتهم، فقد دعاه غلام يهودي إلى خبر شعير وإهالة سنخة وأكل.
فيكون معنى:"أفنأكل في آنيتهم": إذا استعرناها منهم لا إذا دعونا إلى الأكل فأكلنا.
ومن فوائد هذا الحديث: حرص النبي - عليه الصلاة والسلام- عن مباعدة المسلم لغير المسلم، يعني: أنه أمر بألا نأكل، بل نهى أن نأكل في آنيتهم إلا إذا لم نجد غيرها، وأيضا نغسلها خوفا من أن نتلاصق بهم ونتعاور، والأواني يأتون إلنا يستعيرون ونأخذ منهم؛ لأنه كلما أبعد الإنسان عنهم فهو خير له بلا شك.
هذان القيدان يوجبان للإنسان ألا يستعمل الأواني؛ لأنه قل من لا يجد الإناء؛ يعني: صاحب بيت يمكن ألا يكون عنده أواني؟ هذا قليل جدا أو نادر، ثم إذا لم يكن عنده شيء