وقوله صلى الله عليه وسلم:"نعم"، سبق لنا أن قلنا: أن كلمة "نعم" حرف جواب، والجواب يكون بإعادة السؤال؛ ولهذا يقولون: السؤال معاد في الجواب، فإذا قال: نعم، فالتقدير: عليهن جهاد.
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن هذا الجهاد ليس هو الجهاد الذي فيه القتال قال:"جهاد لا قتال فيه"؛ لأنه ليس هناك عدو تقاتله وتقابله، لكن الحج نوع من الجهاد؛ ولأن فيه المشقة والتعب على الرجال وعلى النساء، وفيه أيضًا شيء من بذل المال، لكن سبق لنا أن بذل المال ليس بركن في الحج.
قال:"الحج والعمرة"، ومحلها من الإعراب أنها خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هو الحج والعمرة.
ففي هذا الحديث فوائد منها: حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على السؤال عن العلم؛ لأن عائشة سألت النبي صلى الله عليه وسلم هل على النساء جهاد؟
ومنها: أن الجهاد من أفضل الأعمال، ولهذا سألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم هل عليهن جهاد أم لا؟ ولا شك أن الجهاد من أفضل الأعمال، بل أن الله تعالى قال فيه:{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقًّا في التوراة والإنجيل والقرءان ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}[التوبة: ١١١].
ومن فوائد الحديث: أن الحج والعمرة واجبان، لأن كلمة "على" ظاهرة في الوجوب، إذا قلت:"عليك كذا" المعنى: أنه لازم عليك وواجب عليك؛ هي ليست صريحة في الوجوب لكنها ظاهرة فيه، ولهذا ذكر أهل أصول الفقه أن كلمة "عليك" كذا ظاهرة في الوجوب؛ أي: أنها من صيغ الوجوب لكنها ليست صريحة.
ومن فوائد الحديث: أن الجواب إذا كان يحتاج إلى زيادة قيد واجب على المجيب أن يذكر هذا القيد، لأنه قال:"عليهن جهاد لا قتال فيه"، لو قال: عليهن جهاد وسكت، لكان هناك إشكال.
ومن فوائد الحديث أيضًا: فضيلة الحج والعمرة؛ حيث جعلهما النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد.
ومنها: الإشارة إلى ما سيلاقيه الحاج والمعتمر من التعب والعناء، وكان الناس فيما سبق يجدون من التعب والعناء في الوصول إلى البيت؛ لأنهم يذهبون على الإبل والمدة طويلة، وربما يمشون كثيرًا في المسير، وربما يكون خوف، ولكنهم لا يجدون صعوبة في أداء المناسك؛ لأن المشاعر في ذلك الوقت كانت خفيفة ليس فيها أحد إلا قليلًا، أما الآن فكان الأمر بالعكس الوصول إلى مكة سهل وآمن والحمد لله لكن أداء المناسك هو الصعب؛ لأن