وجود سبب الوجوب وجوبه لا يصح كما لو صلى الإنسان قبل دخول الوقت فإن صلاته لا تصح، فهكذا إذا عجّل الزكاة قبل تمام النصاب فإنها لا تصح، لأنه لم يخاطب بها الآن، فهذه الفائدة يدل عليها النص والتعليل، ما هو النصر؟ قوله:"صدقته"، وهو قبل أن يبلغ النصاب ليس فيه صدقة، والتعليل: أنه تقديم للعبادة قبل وجود سبب الوجوب، إذن ماذا نقول لو أن رجلًا قدم زكاة تسعين ومائة عن مائتي درهم، قلنا: لا تجزى فتكون صدقة تطوع، وهذا مبني على قاعدة ذكرها الفقهاء- رحمهم الله- قالوا: ينقلب الشيء نفلا إذا بان عدم وجود سبب الوجوب كمن صلى الظهر قبل أن تزول الشمس ظانا أن الشمس قد زالت ثم تبين أنها لم تزل فإن هذا ينقلب نفلًا، لماذا؟ لأنه نوى عبادة معينة فتبين فساد التعيين فبقي أصل العبادة، ففي صلاة الظهر وهى أبين من مسألة الزكاة صلى الظهر قبل الزوال بنية أنها فريضة الظهر صلاته هذه مشتملة على بيتين كل نية داخل النية وهما نية الصلاة وأنها الظهر تبين أن الظهر لا تصح، لأنها قبل الوقت فبقيت نية الصلاة، نعم لو فرض أنه يعلم أن الوقت لم يدخل ونوى بهذه الصلاة الظهر، فإنه لا تصح صلاته، لا فرضنا ولا نفلًا، لأنه متلاعب بل نقول إنه للإثم أقرب منه إلى السلامة لأن هذا نوع من اتخاذ آيات الله هزوًا.
ويستفاد من الحديث: جواز تعجيل صدقة المال قبل أن تحل بشرط أن يكون قد بلغ النصاب وإلا فلا تصح.
ومن فوائد هذا الحديث: أن التعجيل رخصة وليس بسنة لقوله: "فرخص له".
فإن قلت: أليس تعجيل الذين قبل وجوبه من باب حسن الأداء يعني: لو كان عليك دين لزيد مائة ريال تحل بعد شهر فأديتها في عشرة أيام أليس هذا أطيب وأفضل؟ نعم، فلماذا لا يكون تقديم الزكاة أفضل وأطيب؟ لأن الدّين قد وجب ولزمك، أما الزكاة فإنها لم تجب، لأنه من الجائز أن هذا المال يتلف أو ينقص عن النصاب فلا تجب عليك الزكاة، ولهذا كان تأخير الزكاة إلى وقت الوجوب أفضل من التعجيل، وهذه قد يلغز بها ظاهرًا لكن عند التأمل ليس فيها لغز، وهي أن يقال: حق واجب كان تأخيره أفضل من تقديمه مع جواز التقديم، أما لو لم يجز فالأمر واضح نقول: هذا هو الزكاة فإن تعجيلها من باب الجواز لا من باب الأفضلية، ولهذا قال:"فرخص له".
ومن فوائد هذا الحديث: أن ظاهره أنه يجوز أن يعجل الزكاة لسنة وسنتين وثلاث وأكثر؛ لأن الحديث مطلق ليس فيه قيد، ولكن المشهور عند أهل العلم أنه مقيد، واستدلوا لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم حين قيل له: إن العباس منع الزكاة فقال: "وأما العباس فهي علي ومثلها"،