"إنما الرضاعة من المجاعة" متأخر عن قوله: "أرضعيه تحرمي عليه"؟ ومن يقول: إنه قال: "لا تحرم المصة والمصتان" بعد قوله: "أرضعيه تحرمي عليه"؟ حتى نقول: إن هذا الحديث يدل على أنه لا يشترط عدد ولا زمن ولكن ذهب بعض أهل العلم إلى أنه خاصٌّ بمولى أبي حذيفة على وجه دقيق وقال: إنه إذا وجد من حاله كحال هذا الرجل فإن حكم هذا الرجل يثبت له؛ لأن الأحكام الشرعية لا يمكن أن تخصص لأحد بعينه إلا بسبب، فإذا وجد هذا السبب في غيره ثبت للغير حكم التخصيص وقالوا: إن الحاجة تبيح إرضاع الكبير ليكون محرمًا، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام أبن تيمية رحمه الله في موضع من كلامه، وقال: إن المرأة إذا احتاج الرجل إلى الدخول عليها دائمًا فإنها ترضعه ويكون ولذا لها؛ لأن سهلة بنت سهيل شكت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الحاجة وقال في موضع من كلامه إنه إذا وجدت حالة مثل حالة سالم من كل وجه ثبت الحكم وإلا فلا وهذا الأخير هو الصحيح وقوله: الأول أنه مطلق الحاجة مردود بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إياكم والدخول على النساء" قالوا: يا رسول الله، أرأيت الحمو؟ قال:"الحمو الموت"، ولو كان الإرضاع المطلق الحاجة مثبتًا للمحرمية لقال: الحمو ترضعه زوجة قريبه ويزول المحذور فلما لم يقل ذلك مع دعاء الحاجة إليه علم أن مطلق الحاجة لا يثبت به حكم الرضاع إذا أخذنا بالقول الثاني من قولي شيخ الإسلام رحمه الله، فإن الحالة التي صارت لسالم لا يمكن أن توجد؛ لأن سالمًا كان متبنَّى ومتخذًا ابنا كابن النسب لا يحتشمون عنه بأي شيء من الأشياء وكان قد داخلهم مداخلة كاملة ففي هذه الحال يكون من الصعب جدًّا أن يحرم من الدخول إلى البيت والخلوة بالمرأة وما أشبه ذلك، فمن أجل هذه الحاجة الشديدة ووجود السبب المقتضي لها قال النبي صلى الله عليه وسلم:"أرضعيه تحرمي عليه" وبهذا تجتمع الأدلة ونسلم من القول بأن إرضاع الكبير لمطلق الحاجة جائز ومثبت للحكم.
ومن فوائد هذا الحديث: أولًا أنه قد تقرر عندهم أن إرضاع الكبير لا أثر له، وجه الدلالة: أنها جاءت تشتكي الحال التي هي عليها، ولو كان مقررًا عندهم أن رضاع الكبير كرضاع الصغير ما سألت.
ومن فوائد الحديث: جواز مخاطبة المرأة وأن كلامها مع الرجل ليس بمحرم، لأن سهلة