ولا سيما مثل عمر وابن عمر والمغيرة بن شعبة وغيرهم، قد يكون سمعه، لكن ما حدّث به أحدًا، وأما استدلالها بالحديث فنحن نقبله منها على العين والرأس، بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك في هذه المرأة اليهودية، لكن لا يمنع أن يكون قال قولًا آخر في موضع آخر، فهي روت وعمر وابنه رويا ما رويا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما سمعاه منه فحينئذ يكون ردها لهذا الحديث بوجود المانع وهو:{ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} غير صحيح، وردّها له لوجود حديث آخر أيضًا غير صحيح، السبب أن القصة متعددة، فهي روت قصة أخرى غير التي حدّث بها النبي صلى الله عليه وسلم وسمعها عمر وابنه.
وحينئذٍ يبقى علينا الآن الإشكال لا زال باقيًا بالنسبة لظاهر الحديث مع ظاهر الآية:{ألَّا تزر وازرةً وزر أخرى}[النجم: ٣٨]، {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} آيتان فما هو الجمع؟ اختلف العلماء في الجمع، يعني: بعد أن نقول: إن الحديث ثابت فنحتاج إلى الجمع، أما على من أنكر الحديث كعائشة فإنه لا يحتاج إلى الجمع؛ لأنها رأت أن الآية مرجحة على هذا الحديث وأن هذا وهمٌ، لكن نحن نرى: أن الحديث صحيح، ولكن يبقى النظر في الجمع بينه وبين الآية، اختلف العلماء في ذلك على عدة أقوال: فمنهم من قال: إن الجمع هو: أن الحديث إنما كان فيمن أوصى بالنوح بأن كان الميت هو الذي قال لأهله: إذا مت فنوَّحوا عليَّ إذا لم تنوحوا عليّ، قال الناس: إنهم لم يهتموا به فأوصيكم بأن تنوحوا عليّ، ومعلوم أنه من أوصى بالإثم فهو آثم، فإذا نفِّذ فإنه يأثم، وهذا التعليل- كما تعلمون- عند التأمل عليل جدًّا؛ لأن الحكم أنيط بالنوح، والميت بمجرد وصيته بالإثم يكون آثمًا سواء ناحوا أو لم ينوحوا فلا يمكن أن نلغي الوصف الذي علِّق به الحكم في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ونعتبر وصفًا جديدًا لم يدل عليه الحديث، وقال بعض أهل العلم: إن هذا في رجا اعتاد أهله وذووه أن ينوحوا على أمواتهم وهو يعلم بهم ولا ينهاهم فيكون كأنه مقرٌّ لهم؛ لأنه يعلم بمقتضى عادتهم أنه إذا مات سوف ينوحون عليه، قالوا: ويجب على من كان هذه عادة أهله وذويه أن ينهاهم عند موته، ويقول: لا تنوحوا عليّ كما تنوحون على أمواتكم، فإن لم يفعل فهو آثم ويعذب في قبره، وعلى هذا فيكون هذا الرجل عذِّب في قبره على ترك إنكار المنكر بعد موته؛ لأنه من الجائز ألا ينوحوا عليه؛ لأن هذا أمر عادي، والعادي قد يتخلف فهم يؤثمونه؛ لأنه لم يوص بتركه وهم من عادتهم أن ينوحوا على أمواتهم، هذان قولان مع قول عائشة فتكون ثلاثة أقوال.
والقول الرابع: يقولون: إن الحديث يقول: "إن الميت ليعذّب" والعذاب نوعان: عذاب على عقوبة، وعذاب بشيء لا يلائم الإنسان فيتعذب به، وليس فيه عقوبة، لكن يتعذب بمعنى: أنه يهتم ويحزن وما أشبه ذلك، فأما على الأول أن يكون العذاب عقوبة على فعل معصية فهذا بالنسبة للميت غير وارد؛ لأنه ما فعل ذنبًا إنما فعل الذنب غيره، وأما الثاني: وهو الاهتمام