بن عفان، وأختها الأخرى رقية زوجة له أيضًا ولهذا يسمى "ذا النورين"، فإذا احتجّت الرافضة بأن عليًّا زوج بنت الرسول، نقول لهم: وعثمان زوج ابنتيه، ولو كان هذا يقتضي الفضل لكان عثمان أفضل من عليّ رضي الله عنه، ولكان العاص بن أبي الربيع مساويًا لمن؟ لعلي بن أبي طالب، ولكن الفضائل لها أسباب أخر، وقد مرّ علينا أن الصحيح عند أهل السنة والجماعة: أن عثمان أفضل من عليّ، وأن ترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة.
قوله:"شهدت بنتًا للنبي صلى الله عليه وسلم تدفن"، الجملة حالية، "ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عند القبر" أيضًا هذه الجملة حالية "وعيناه تدمعان" جملة حالية، "وتدمعان" خبر ومبتدأ".
ففي هذا الحديث دليل على جواز البكاء على الميت سواء كان ذلك عند موته أو بعد دفنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هنا كان يبكي على ابنته وهي تدفن، والبكاء غير النياحة؛ لأن البكاء شيء تمليه الطبيعة والجبلة، وليس فيه شيء يترنم به الإنسان وينوح به كما تنوح الحمام، فهو أمر لابد منه عند كثير من الناس، ودمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه إبراهيم فقال: "العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزنون"، فمجرد البكاء ليس فيه عقوبة.
وأتى المؤلف بهذا الحديث لفائدة عظيمة وهي: أن الميت لا يعذّب ببكاء أهله، فإذا جاءتنا كما في بعض ألفاظ مسلم: "يعذّب ببكاء أهله" فلتحمل هذه الأحاديث على أن المراد: النياحة، أما مجرد البكاء الذي تمليه الطبيعة وتقتضيه فإن هذا ليس فيه إثم، وليس فيه أيضًا عذاب على الميت، ولهذا جاء في بعض ألفاظ حديث عمر: "إن الميت ليعذّب ببعض بكاء أهله"، انتبه لقوله: "بعض البكاء" ما هو؟ النياحة، أما البكاء بدون نياحة فليس فيه تعذيب.
فيستفاد من هذا الحديث: أنه يجوز البكاء على الميت بعد الدفن كما يجوز قبله.
ويستفاد منه: رقة النبي صلى الله عليه وسلم من قوله: "وعيناه تدمعان".
ويستفاد منه: جواز الجلوس عند القبر لقوله: "جالس عند القبر".
ويستفاد منه: أنه لا تشرع الموعظة في هذه الحال عند الدفن؛ لأنه لو كانت مشروعة لوعظ النبي صلى الله عليه وسلم عند كل دفن يشهده.
فإن قلت: أليس في حديث البراء بن عازب أن الرسول صلى الله عليه وسلم جلس وجلس حوله أصحابه، فكأن على رءوسهم الطير فجعل .... الخ، وهو حديث طويل فهذه موعظة؟
فالجواب على ذلك: أن هذه الموعظة حصلت بسبب أنهم انتبهوا إلى القبر ولما يلحد، يعني: لم ينتهوا من الحفر، فجلس وجلس الناس حوله، فكان من المناسب أن يحدثهم، وهو حديث