للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذا الحديث، وكما في قوله: "بني الإسلام على خمس"، وذكر منها حج البيت، أما الإجماع فالعلماء مجمعون () على ذلك؛ ولهذا قالوا: من أنكر فرضية الحج فهو كافر مرتد، إلا إذا كان حديث عهد بكفر ولم يعرف فرائض الإسلام فإنه لا يكفَّر إلا بعد أن يعرَّف، فإذا عرِّف وذكرت له الدلائل وأصر على إنكار الفرضية صار كافرًا، أما من تركه - أي: الحج - بدون إنكار فرضيته، ولكن تهاونًا وكسلًا فأكثر أهل العلم على أنه لا يكفر؛ لأنه لا كفر بترك شيء من الأعمال إلا واحدة فقط وهو الصلاة، وقال بعض أهل العلم - وهو رواية عن الإمام أحمد -: إن من تركه تهاونًا فهو كافر لقوله تعالى: {ومن كفر فإن الله غني عن العالمين} [آل عمران: ٩٧). وهذا يدل على أن ترك الحج مع القدرة عليه كفر، وكذلك ما أثر عن عمر رضي الله عنه أنه همّ أن يبعث عمالًا إلى البلاد، فمن وجدوه ذا غنًى فلم يحج قال: فليأخذوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين، لكن الجمهور على أن ترك الحج تهاونا يكفِّر ()، ولكن هل يقضى عنه؟ الجمهور على أنه يقضى عنه؛ لأنه كالديون التي يتهاون بوفائها، فإذا مات قضيت عنه، وكلام ابن القيم رحمه الله في تهذيب سنن أبي داود يدل على أنه لا يقضى عنه، قال: لأن هذا الرجل تركه تركًا وهو معرض عن فعله، أما لو أنه يقول: سأحج العام القادم ويمني نفسه، ولكن بغته الأجل فلم يحج فهذا يحج عنه بلا شك، والراجح: أنه إذا تركه على أنه ليس معرضا عنه فهذا يحج عنه، وكلام ابن القيم جيد لكن أتوقف في ترجيحه.

ومن فوائد الحديث أيضًا: أنه يجوز أن يقاطع الخاطب فيسأل؛ لأن الأقرع بن حابس قاطع النبي صلى الله عليه وسلم فسأله في أثناء الخطبة ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن فوائد الحديث: أن في المسائل ما لا ينبغي أن يسأل عنه كما في هذا الحديث، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه أبو هريرة: "ذروني ما تركتكم" (). وفي قصة عويمر العجلاني مع امرأته أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله على الذي وصاه عويمر كره المسائل وعابها فيما لو وجد الإنسان مع امرأته رجلًا ().

ومن فوائد الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم يحكم بغير وحي لقوله: "لو قلتها لوجبت"، وهذا محل خلاف بين أهل العلم؛ فمنهم من قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحكم من عند نفسه، وإنما يحكم

<<  <  ج: ص:  >  >>