عليه أن يقضيه عنه، إذ إنه لما تلبس بالنسك كان كأنه نذره فلزمه أن يوفي به، ويحتمل أن قوله:"حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة" من باب الإباحة والإذن، فهو لما منعه أولًا أن يحج عن شبرمة أذن له أن يحج عنه بعد أن يحج عن نفسه، وعندي أن هذا هو الأقرب ونجيب عن الأول بأن الإنسان إذا تلبس به ظنًّا منه أنه جائزة فإذا تبين أنه ليس بجائز فهو تلبس غير مشروع فلا يلزم الوفاء به.
ومن فوائد الحديث: أنه يجوز الحج عن الغير بلا إذنه - إذن الغير -، وجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقال: هل استأذنته، فإذا حج إنسان عن غيره بنية أنه للغير فلا بأس، لو رفض الغير بعد أن رجع هذا الرجل قال: أنا حججت عنك ادع الله لي، قال: أنا أرفض، عندنا أمران هل يشترط إذن الغير بالحج عنه نقول ظاهر الحديث لا هل يشترط قبول؟ على كلامكم يشترط وأنه لو رفض لم يكن له أجره وكان الأجر للفاعل إلا تكل هذا الأمر إلى الله عز وجل ونقول إذا رفض، فالله أعلم ما يترتب على هذا حكم في الدنيا، اللهم إلا إذا كان المحجوج عنه مريضا لا يرجى برؤه فانه يحج عنه غيره بلا شك.
ولكن لو رفض المحجوج عنه فهل نقول: أن رفضه غير معتبر وأن الفريضة سقطت عنه هذا هو محل الإشكال؟ اختلف في هذا العلماء أي: في مسألة الفريضة؛ فمنهم من يقول: إنه لا يصح أن يحج الإنسان عن غيره فريضة إلا بإذنه؛ لأن المطالب بها الغير، ومنهم من قال: بل يصح بلا إذنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل للمرأة التي سألته أن أباها لا يثبت على الرَّاحلة: هل استأذنت منه؟ وأنه إذا حج عن غيره ثم بلغه بذلك ورفض فإننا نقول له: رفضت أم لم ترفض الحج لك والفريضة سقطت عنك، وهذا هو الأقرب من الأحاديث.
ومن فوائد الحديث: أن الإنسان ينبغي له أن يبدأ بنفسه؛ لقوله:"حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة".
مسألة الإيثار في القرب وإهداء القرب للأموات:
وتأتي هنا مسألة الإيثار بالقرب هل هو جائز أو مكروه أو محرم ()؟ سبق لنا الكلام عليه وبينا أنه ينقسم - الإيثار - إلى أقسام: القسم الأول: ما يحرم فيه الإيثار، وهو الإيثار بالواجب، والثاني: ما يكره فيه الإيثار إلا لمصلحة تربو على الكراهة، والثالث: ما يباح فيه الإيثار، وهو ما سوى العبادات من الأمور العادية.