إلى ولي المرأة ويخطبها منه، وأحيانا لا يمكنه ذلك وتكون العادة أن يرسل رسولاً، وأحيانا لا يمكنه ذلك، وتكون العادة أن يكتب كتابًا.
قال:«فإن استطاع»، يعني: إن قدر، وذلك لأن النساء ذوات الخدور لا يستطيع أن يراهن كيفما أراد، ولكن إن استطاع بالمحاولة فليفعل، وكانوا يختبئون للمرأة حَتَّى ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها.
وقوله:«إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل»، ما الذي يدعوه؟ أهم شيء هو الوجه، فإن الإنسان إذا رأى أن المرأة جميلة الوجه أقدم على خطبته وتأتي بقية الأعضاء بالتبع، ومن المعلوم أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لا يريد منه أن ينظر إلى الفرج وإلى البطن وإلى الظهر وما أشبه ذلك، وإنما يريد أن ينظر إلى ما يظهر غالبًا عند محارمها، هذا هُوَ الذي يُرَخص للإنسان فيه، وقوله:«فليفعل»، اللام هنا للأمر، والأصل في الأمر الطلب الحقيقي، وقد اختلف العلماء في هذا، فمنهم من قال: إن اللام هنا للإباحة لورود ذلك بعد المنع؛ لأن الأصل منع الإنسان من رؤية المرأة، فإذا قيل: إذا كان كذا وكذا فانظر صار الأمر هنا للإباحة كقوله -تبارك وتعالى -: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[المائدة: ٢] فهنا الأمر للإباحة لوروده بعد النهي والمنع، وقال بعض العلماء: بل الأمر هنا للإرشاد والاستحباب ولم أر أحدا قال: إنه للوجوب، فهنا قولان: الأول: أن الأمر للإباحة لوروده بعد المنع؛ لأن الأصل منع نظر الرجل إلى المرأة، والثاني: أنه للإرشاد والاستحباب لما يترتب عليه من المصالح، فمنها: أنه أحرى أن يؤدم بينهما أي: يؤلف بينهما؛ لأنه حينئذ يُقدم على بصيرة إن أعجبته ويترك على بصيرة إن لم تعجبه، ومنها: أن الإنسان لا يُلام على ما لو قال: إنني أتركها، لأن فيها كذا وكذا بخلاف ما لو خطب ثم عزف بدون سبب فإن الناس قد يلومونه، أما إذا كان عن رؤية فسيعلل السبب.
ففي هذا الحديث فوائد: أولاً: أنه ينبغي للإنسان أن ينظر إلى المخطوبة وهو بناء على أن اللام للإرشاد والطلب، وهذا هُوَ الراجح أنه للإرشاد وانه ينبغي أن ينظر إلى مخطوبته، ولكن هذا الإطلاق مُقيّد بأمور.
الأول: ألا يكون بخلوة فهو حرام، فإن كان بخلوة فهو حرام لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «لا يخلونَ
رجل بامرأة إلا مع ذِي محرم».
الثاني: أن يكون عازمًا على الخطبة والتقدم، فإن لم يكن عازمًا فلا يفعل، وذلك لأن الأصل تحريم نظر المرأة خولف فيمن أراد الخطبة من أجل المصلحة المترتبة على ذلك، فإذا كان غير عازم فإنه لا يجوز له أن يفعل.
الثالث: أن يغلب على ظنه إجابته، يعني: إذا خطب أجيب، فإن كان يغلب على ظنه