ولا كثرة، ففي قوله تعالى:{فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرةٍ شرًا يره}[الزلزلة: ٧ - ٨]. فإن عمل دون ذلك يراه أيضًا، وكذلك ما ورد في الأكثر مثل:{إن تستغفر لهم سبعين مرةً فلن يغفر الله لهم}[التوبة: ٨٠]. فلو استغفر أكثر لم يغفر لهم، المهم أن ما قصد به المبالغة قلة أو كثرة فإنه لا مفهوم له.
وقوله صلى الله عليه وسلم:«ظلما» هذه متعلق بقوله: «اقتطع» يعني: الذي عمل فيها كلمة اقتطع، فيحتمل أن تكون مصدرًا في موضع الحال، أي: من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا، ويحتمل أن تكون صفة لمصدر محذوف تقديره: من اقتطع اقتطع اقتطاعًا ظلمًا، ويحتمل إعرابًا ثالثًا وهي أن تكون مفعولا من أجله، أي: من اقتطع شبرًا من الأرض من أجل الظلم، يعني: الذي حمله عليه الظلم فجزاؤه كذا وكذا، هذه ثلاثة أوجه أقربها - والله أعلم - أن تكون مصدرًا في موضع الحال ظالمًا، والظالم هو المعتدي الذي لا وجه لاقتطاعه.
"طوقه الله إياه يوم القيامة"، الضمير في "إياه" يعود على هذا الشبر الذي اقتطعه، ومعنى "طوقه" أي: جعله طوقًا في عنقه كالطوق الذي تلبسه المرأة للزينة، وقوله:"يوم القيامة" يعني: يوم الجزاء والحساب، وهذا اليوم له أسماء كثيرة: اليوم الآخر، ويوم الحساب، ويوم الحشر، ويوم المعاد، وأسماء كثيرة، وذلك لأنه يتضمن هذه الأوصاف التي سمي بها، ويوم القيامة سمي بهذا الاسم، لأنه يقوم فيه الناس من قبورهم لرب العالمين، كما قال تعالى:{ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليومٍ عظيمٍ يوم يقوم الناس لرب العلمين}[المطففين: ٤ - ٦]. ولأنه يقوم فيه الأشهاد كما قال تعالى:{إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحيوة الدنيا ويوم يقوم الأشهد}[غافر: ٥١]. ويقام فيه العدل كما قال تعالى:{ونضع الموزين القسط ليوم القيمة فلا تظلم نفس شيئًا}[الأنبياء: ٤٧]. إذن سمي يوم القيامة لهذه الوجوه الثلاثة.
"من سبع أراضين" متعلق بـ"طوق"، يعني: يطوقه الله إياه من سبع أرضين، وذلك لأن الإنسان إذا ملك شيئًا من الأرض ملكه وما تحته إلى الأرض السابعة، فإذا ظلم أحد شبرًا من الأرض العليا صار كأنه ظالم من كل أرض مقدار شبر.
هذا الحديث فيه: الوعيد الشديد على من اقتطع شبرًا من الأرض أو أكثر أو أقل.
وفيه أيضًا: أن من اقتطع شبرًا من الأرض بحق فليس عليه شيء؛ لأن مفهوم قوله:"ظلمًا" أنه إذا لم يكن ظلمًا فليس فيه وعيد، مثل: لو أن رجلاً له جار في الأرض فجاء هذا الجار فأدخل جزءًا من أرض جاره على أرضه، فجاء الآخر الذي قد أخذ من أرضه ما أخذ فأدخل الذي أخد منه إلى أرضه، فهذا لا شك أنه اقتطع شبرًا من الأرض أو أكثر لكن بحق؛ لأن الأرض أرضه، فلا يلحقه هذا الوعيد، وفيه أن هذا العمل من كبائر الذنوب، وجهه: أن فيه وعيدًا في