يقول: لا بد من استيعاب الأصناف الثمانية، إلا أن بعضهم يقول إن سهم المؤلفة قلوبهم ساقط، لأنه في قوة الإسلام زال التأليف، فلا حاجة أن نؤلف من أسلم وآمن وقوي إيمانه فهو منا، ومن لم يسلم فالسيف، ولكن الصحيح أن سهمهم لم ينقطع، وأنه باق، وأن ما ذكر عن عمر وغيره من الصحابة فمعناه: أن الناس في ذلك الوقت لا يحتاجون إلى التأليف لقوة الإسلام، وإلا فإن سهمهم باقٍ.
أمَّا هل يجب أن نعمم هذه الأصناف أو لا؟ ففيه خلاف، حجة من قال: يجب التعميم، أن الله سبحانه جعل الاستحقاق في هؤلاء الأصناف الثمانية مقرونًا بالواو، والقرن بالواو يقتضي الاشتراك، كما لو قلت: هذا المال لك ولزيد، ولعمرو، ولبكر، ولخالد فإنه يكون مالًا للجميع مشتركًا، ولا يجوز أن يخصص به واحدًا دون الآخر، وهنا قال الله تعالى:{للفقراء والمساكين}، وهذا يدل على أنه لا بد أن نعطي هؤلاء كلهم، كما أننا قلنا في قوله تعالى {* وأعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}[الأنفال: ٤١]. كم هؤلاء؟ خمسة، ويجب أن نعمهم بالعطاء، فهذه الآية نظير تلك يجب أن نعمم فيها الأصناف.
وقال آخرون: بل لا يجب أن نعمم الأصناف، وأن الواو هنا أشركت الجميع في أصل الحكم، وأن مصرف الزكاة لهذه الجهات، ولا يلزم إذا اشتركت في الحكم أن تشترك في العطاء، وأيدوا قولهم هذا بحديث معاذ بن جبل:"أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ في فقرائهم". وبأن الظاهر من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يذهب يبحث هل فيه مسافر انقطع به السفر؟ هل فيه غارم؟ هل فيه كذا من المستحقين؟ وإنما يعطى من وجده من هذه الأصناف. هذان دليلان.
الدليل الثالث: أن في مراعاة إعطاء الأصناف الثمانية مشقة شديدة؛ لأنه لا بد أن يبحث الإنسان عمن في البلد من هؤلاء الأصناف، وهذا قد يشق ويلحق الناس حرج، بخلاف خمس الفيء فإن الذي يتوله الإمام، والبحث عليه سهل، وأيضًا فهذه فيها دليل وتلك ليس فيها دليل، وهذا القول هو الراجح.
وإذا قلنا: إنه لا يجب استيعاب الثمانية، فهل يجب فيما ذكر مجموعا أن يعطى منه ثلاثة فأكثر، مثل: الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب والغارمين؟
فيها أيضًا خلاف، فمنهم من يقول: لا بد أن تجمع ثلاثة فأكثر من كل ما ذكر مجموعًا دون ابن السبيل مثلًا لأنه ذكر مفردًا.
ومنهم من قال: إنه لا يجب؛ لأن هذه أوصاف لا أعيان. نعم، لو قلت: المال لهؤلاء الرجال لا بد أن يعطى كل واحد، أما إذا كانت المسألة بالأوصاف فمن استحق هذا الوصف أخذه. لو قلت: أكرم المسلمين، ثم لم تجد إلا مسلمًا أكرمته هكذا أيضًا تقول في هذا.