وجوب الزكاة عليه، لكن قد يكون غنيًا من حيث جواز دفع الزكاة إليه، قد يكون عند الإنسان مائتا درهم لكن مائتي درهم لا تكفيه وعائلته ولو لمدة يومين، فهل تقول: هذا غني؟ لا، كيف تجب عليه الزكاة، وتجوز له الزكاة؟ نقول: لا منافاة، فالزكاة تجب عليه لوجود سبب الوجوب، ويستحق من الزكاة لوجود شرط الاستحقاق، ولا مانع. وأصبح الأقوال في هذا: أن الغني هو الذي يجد كفايته وكفاية عائلته لمدة سنة.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إلا لخمسة، ثم عدَّهم، وذكر العدد والتثنية بالمعدود هذا من حسن التعليم بأن يحصر الإنسان الأشياء ثم يفصلها؛ لأنك إذا حصرتها، وقلت: خمسة مثلًا، ثم نسيت تقول: الباقي واحد، لكن لو تعد لك بدون عدد يمكن أن تنسى ولا تشعر أنك نسيت، فإذا بقى في ذهنك أن هذا الشيء عدده خمسة أو عشرة أو عشرين أو مائة ثم نقص عرفت أنك ناس قد نقص شيئًا، لكن إذا ذكر مرسلًا فإنه قد يسقط ولا تشعر انك أسقطته، فهذا من حسن التعليم أن نحصر الأشياء بالعدد.
قال: "لعامل عليها"، وسبق معنى العامل عليها، وإنما جاز له الأخذ مع الغني، لأنه يأخذ للحاجة إليه، فنحن محتاجون إليه لقيامه على الصدقة فأعطيناه لحاجتنا نحن إليه، ولهذا يعطى كما مرا مقدار آجرته.
الثاني: "أو لرجل اشتراها بماله" وهذا في الحقيقة ما أخذها من جهة الزكاة، لكن هي عين الصدقة، مثال ذلك: أعطى هذا الفقير حقة من الإبل، وهي التي عندها ثلاث سنوات، فجاء فباعها على غني حلت له هذه الحقة للغني، لماذا؟ لأنه أخذها بجهة غير استحقاق الزكاة، وهى الشراء؛ ولهذا قال: اشتراها بماله، لكن هي حقيقة عين الصدقة، إنما الفقير أخذها بجهة الصدقة، وهذا أخذها بجهة الشراء، فلمَّا اختلفت الجهة جاز. ونظير ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل ذات يوم بيته وطلب طعامًا فقالوا: ليس عندنا شيءً. قال: "ألم أر البرمة على النار؟ "- البرمة: إناء من خزف أو نحوه- قالوا: يا رسول الله، ذاك لحم تصدق به على بريرة- يعني: وهو لا يأكل الصدقة- فقال: "هو عليها صدقة ولنا منها هدية". فهو طعام واحد، لكن أخذه التي صلى الله عليه وسلم من بريرة ليس على سبيل الصدقة، بل على سبيل الهدية فهو نظير هذا الحديث.
الثالث: "أو غارم" أي القسمين من الغارمين؟ الغارم لإصلاح ذات البين: لأن الغارم لنفسه يشترط لاستحقاقه ألا يجد ما يسدد دينه، أما الغارم لإصلاح ذات البين فيعطى ولو كان غنيًا، اللهم إلا أن يقال: إن الغارم هنا تشمل الصنفين من الغارمين، ويقال: إن الغارم لنفسه قد يكون عنده ما يكفيه من حيث الأكل والشرب واللباس والسكن، لكن ليس عنده ما يسدد دينه وهذا يعطى، فلو أن رجلًا له راتب وهذا الراتب يكفيه لأكله وشربه ولباسه وسكناه، لكن