ويستفاد من الحديث: مشروعية التكفين بالبياض وهو كذلك، فإن كفِّن بغير الأبيض فهو جائز، لكنه لا يكفن في ثوب محرم كما لو كفن الرجل بحرير فإن ذلك حرام، أو كفن الرجل أو المرأة بمصوَّر- ثياب فيها تصاوير- فإن ذلك حرام، لو كفنوا بمغصوب كذلك حرام سواء كان رجلًا أو امرأة، وهل تكفن المرأة في الحرير؟ إذا قلنا: بجواز تكفين المرأة بالحرير حتى ولو كان ظاهر الحديث العموم- ((أحل لإناث أمتي)) - فإنه قد يقال: إنما أحل للنساء في حال الحياة لحاجتهن إلى التجمل، وأما بعد الممات فلا حاجة، فنقول: تتجمل لمن؟ لكن إذا قدرنا أنه ليس من باب الإسراف- وقد يكون الحرير رخيصًا مثلًا-، أو لا نجد إلا هذا الحرير يجوز.
ويستفاد من هذا الحديث: الإرشاد إلى لبس البياض، وهو عام للرجال والنساء؛ لأن قوله:((البسوا)) وإن كان موجهًا للرجال فالأصل اشتراك النساء مع الرجال في الأحكام، إلا ما قام الدليل عليه، كما أن الحكم الموجه إلى النساء يشمل الرجال إلا ما قام الدليل عليه، ففي قوله تعالى:{والئين يرمون المحصنات ثمَّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً ...... }[النور: ٤].
لو أن أحدًا رمى محصنًا من الرجال هل يجلد؟ نعم، يجلد ثمانين جلدة؛ لأن الحكم المخصص به النساء يشمل الرجال إلا بدليل، إذن يجوز للمرأة أن تلبس البياض لكن بشرط ألا يكون تفصيله كثياب الرجال؛ لأنه إذا كان تفصيله كثياب الرجال صار تشبهًا، والنبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهات من النساء بالرجال، وقد مر علينا مسألة غريبة في باب الإحداد على الميت ولعلكم تذكرونها وهي: أن الفقهاء- رحمهم الله- يقولون: يجوز للمحادة أن تلبس الأبيض ولو كان حسنًا، ولكن ذكرنا أن ذلك ليس بصحيح، هم يعللون يقولون: هذا الحسن من طبيعته ما أضيف إليه لون أو ما أشبه ذلك حتى نقول: إنه يحرم، ولكن سبق لنا أن العبرة بالتعريف أو بالحد والضابط دون الأجزاء، والضابط أنه يحرم على المحادة أن تلبس كل شيء يدعو إلى النظر إليها ويرغب في جماعها، وعلى هذا تمنع من الأبيض، أقول: إن لباس المرأة البياض لا بأس به، ولكن هل يجوز لها أن تخرج بالبياض بدون أن يكون عليه عباءة؟ يقولون: إن الأبيض في بعض البلاد لباس عادي مثل الأسود ولا يهتمون به، لكنه عندنا وخصوصًا في نجد يرون أن البياض لباس زينة، وبناء على ذلك لا يجوز للمرأة أن تلبس الأبيض ولو كان عليها عباءة، ما دام أن العباءة ليست ضافية على كل البدن؛ لأنه إذا كان لباس زينة صار من باب التبرج.