الذي استثناه الفقهاء - رحمهم الله- وجيه جدا؛ وذلك لانتفاء الحرج؛ أي: أننا استثنينا يسير البول ممن به سلس مع كمال التحفظ من أجل الحرج، وكما يقول العامة: لا يحس بحرارة الجمرة إلا من وطأها، يعني: لا يحس بالمشقة العظيمة في هذا الأمر إلا من ابتلي به، أعاذنا الله وإياكم منه.
ومن فوائد هذا الحديث: وجوب الاستنزاه من كل بول إذا جعلنا "أل" للعموم، ولكن هذه الفائدة ليست صحيحة؛ لأن العموم لا يستقيم بالنسبة للشريعة الإسلامية، ووجهه: أنه قد دل الدليل على أن ما يؤكل لحمه طاهر وهو إذن النبي صلى الله عليه وسلم إلى العرنيين أن يشربوا من أبوال الإبل وأبانها، ولم يأمرهم بالتنزه منها، وأيضا لو كان بول الإبل نجسا لكان شربه حراما؛ والحرام لا يجوز التداوي به.
فإذا قال قائل: لماذا تجعلونه عاما وتستثنوا منه بول ما يؤكل لحمه، فيكون شاملا لبول الحدأة والحمير، والكلاب، وما أشبه ذلك.
نقول: هذا ممكن، لكن حمله على المعهود الذهني الذي يكثر من الإنسان مماسته أولى، وما هو المعهود الذهني الذي يكثر من الإنسان مماسته؟ بوله هو.
ومن فوائد هذا الحديث: إثبات عذاب القبر لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن عامة عذاب القبر منه"، وعذاب القبر ثابت بالقرآن والسنة، أما في القرآن، فقوله تعالى:{النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا ءال فرعون أشد العذاب}[غافر: ٤٦]. عرضهم على النار غدوا وعشيا هذا قبل قيام الساعة؛ لقوله:{ويوم تقوم الساعة}.
ومن ذلك قوله تعالى:{مما خطيئتهم أغرقوا فأدخلوا نارا}[نوح: ٢٥]. والأصل: أن التعقيب فوري، قلت ذلك؛ لأن التعقيب قد يكون غير فوري كما لو قيل:"تزوج فلان فولد له" ومعلوم أنه لا يمكن أن يولد له في ليلة الزواج، وكما في قوله تعالى:{ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة}[الحج: ٦٣]. فإن الأرض لا تصبح مخضرة صباح نزول المطر، لكن هذا التعقيب على حسب ما تقتضيه الحال، وهذا دل عليه قرينة، وإلا فالأصل أن التعقيب يكون فوريا.
ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى:{ولو ترى إذ الظلمون في غمرات الموت والملئكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون}[الأنعام: ٩٣]. اليوم متى؟ يعني: يوم الوفاة.
{تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق}[الأنعام: ٩٣].
أما في السنة فلي أن أقول: إن السنة متواترة في ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يتعوذ بالله من