للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أربع بعد التشهد الأخير ذكر منها: عذاب القبر، وما زال المسلمون يدعون بذلك في كل صلواتهم، فهو من أشد الأحاديث تواترا، وأقواها معلوما.

فإن قال قائل: وهل العذاب الذي يكون في القبر يكون على البدن أو على الروح؟

نقول: الأصل أنه على الروح هذا هو الأصل، لكن قد يتصل بالبدن؛ يعني: قد يتصل العذاب بالبدن؛ ولهذا ذكر في منامات كثيرة أنه عثر على المعذبين ووجد آثار العذاب في أجسادهم وإلا فالأصل أنه على الروح.

فإن قال قائل: وهل عذاب القبر ينجو منه من احرق أو غمس في البحر، أو ما أشبه ذلك؟

فالجواب: لا، لأننا نقول: الأصل أن العذاب على الروح، والروح منذ خلقها الله عز وجل لا تفنى ولكنها تفارق البدن وتعاد إليه يوم القيامة.

ومن فوائد هذا الحديث: حرص النبي صلى الله عليه وسلم على حماية أمته مما يضرها؛ حيث قال: "استنزهوا"، وهذا يدل على نصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، ولا شك أنه أنصح الخلق للخلق لا شك في هذا، ومن تتبع سيرته عرف نصحه - عليه الصلاة والسلام-، ومن ذلك: أي: من نصحه- أنه ينزل الناس منازلهم؛ فالصغار يخاطبهم بما تقتضيه عقولهم يمزح معهم ويلاطفهم ويعطيهم ما يريدون مما أحل الله، والكبراء يعاملهم بما يستحقون وأوساط الناس بما يستحقون، ولا شك أن هذا من النصح؛ لأنك لو أردت أن تعامل أكبر الناس جاها وعلما وإحسانا وفضلا كما تعامل أرذل الناس لقال الناس: هذا سفه مناف للحكمة؛ بل تنزل كل إنسان منزلته، حتى إنه روي عن النبي - عليه الصلاة والسلام- أنه قال: "أنزلوا الناس منازلهم".

ومن فوائد هذا الحديث: أن عدم الاستنزاه من البول كبائر الذنوب؛ لأن قوله: "إنه من عذاب القبر" يدل بفحوى الكلام وقوة الكلام أن من لم يستنزه من البول فإنه يعذب في قبره، وهذا ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان"، وذكر أن أحدهما كان لا يستنزه من البول.

فإن قال قائل: ألا يفتح هذا التأثيم باب الوسواس على بعض الناس؟

<<  <  ج: ص:  >  >>