والأرض هو الله عز وجل فقال:"إن الله هو المسعّر" يعني: هو الذي بيده الأمر إن شاء عز وجل أغلى السِّعر وإن شاء أرخص السعر، كيف ذلك؛ لأن سبب الغلاء إما زيادة في نمو الناس، وإما نقص في المحصول، وإما جشع وطمع، وكل ذلك بيد الله عز وجل الزيادة في النمو بيد الله، وكذلك أيضًا النقص في المحصول والزيادة فيه بيد الله، ومعلوم أنه إذا نقص المحصول زاد السعر، أو يكون من باب الطمع والجشع، وهذا أيضًا بيد الله؛ لأن الطمع والجشع من فعل الإنسان، والله تعالى خالق للإنسان وخالق لفعله، ولهذا قال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم:"إن الله هو المسعر"؛ لأنه هو الذي يفعل أسباب الزيادة وأسباب النقص، القابض الباسط، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: } يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر {[الروم: ٣٧]. فهو "القابض": الذي يقبض الشيء ويقلله، وهو "الباسط" الذي يبسطه ويوسعه ويكثره، وهذا من جملة أفعاله عز وجل: } والله يقبض ويبصط وإليه ترجعون {[البقرة: ٢٤٥]. قال:"الرازق" يعني: المعطي، والرازق في الأصل العطاء، كما قال الله تعالى: } فارزقوهم منه {[النساء: ٨].} وارزقوهم فيها {[النساء: ٥]. أي: أعطوهم، ورزق الله عز وجل ينقسم إلى قسمين: رزق مادة الحياة الجسدية، ورزق مادة الحياة الروحية، فالأول يكون بالطعام والشراب والكسوة والسكن، والثاني يكون بالعلم والإيمان.
وعلى هذا فنقول: من ليس له كسب إلا المحرم كالمرابي هل الله رازقه؟ الجواب: نعم، رازقه بالمعنى الأول، أما بالمعنى الثاني فلا شك أنه ناقص الإيمان؛ لأنه لو كان إيمانه كاملًا ما انتهك محارم الله عز وجل في الربا.
الكافر مرزوق بأي المعنيين؟ بالمعنى الأول؛ لأن الله رزقه ما يقوم به جسده، أما ما يقوم به قلبه من العلم والإيمان فإنه مفقود؛ لأن علمه إن كان عنده علم ينتفع به وإيمانه معدوم.
يقول:"وإني لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال"، الرجاء: هو الطلب النفسي مع وجود أسباب حصول المطلوب، إذن فهو في الأمور الميسورة، والتمني في الأمور المتعذرة، أو المتعسرة، لكنه طلب كالرجاء، لكن الرجاء يكون في الأمور القريبة، والتمني في الأمور البعيدة، وقوله:"إني لأرجو أن ألقى الله تعالى"، ومعنى "تعالى" أي: ترفّع، وتعاليه عز وجل معنوي وحسِّي، أما تعاليه المعنوي فهو أنه -سبحانه وتعالى- متعال عن كل نقص، وأما الحسي فهو متعالٍ على جميع الخلق كما قال تعالى: } الكبير المتعال {[الرعد: ٩].
يقول:"وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة"، يعني: يكون له عندي مظلمة ويجوز مظلمة، "في دم ولا مال"، "في دم" كالاعتداء على الناس، "ولا مال" كالاعتداء على المال، هذا الحديث القصة فيه واضحة وهي أن الصحابة لما غلا السعر ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم -باعتباره ذا السلطة والإمامة- أن يسعَّر لهم، فامتنع النِّبي صلى الله عليه وسلم وبيَّن أن الأمر بيد الله عز وجل، وأن التسعير على الناس نوع من الظلم، ورجا الله عز وجل أن يلقاه وما أحد منهم يطلبه بمظلمة في دم ولا مال.