مُنع النظر ومنعت الخلوة، لكن الرسول (صلى الله عليه وسلم) الفتنة مأمونة في حقه غاية الأمان؛ ولهذا جاز له أن ينظر إلى المرأة الأجنبية وأن يخلو بها، على أن لدينا علة أخرى في هذا الحديث وهي الخطبة.
قال:«ثم طأطأ رأسه، يعني: نزله بمعنى: أنه صار لا ينظر إليها، «فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست»، وهذا من حُسن خلق الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه لا يردُّ أحدًا أو يصدمه، فلو قال لها: أنا لا أريدك صار في هذا صد عظيم، لكنه طأطأ رأسه وسكت، والمرأة من فقهها جلست ولم تنصرف.
«فقام رجل من أصحابه، فقال: يا رسول الله، إن لم تكن لك بها حاجة فزوّجُنيها»، هذا التماس وطلب وليس أمرًا؛ لأن مثل الصحابي لا يأمر النبي (صلى الله عليه وسلم)، لكن هذا من باب الترجي والالتماس أن يزوجه إيّاها، فقال:«هل عندك من شيء؟ » أولاً: نريد إعراب «من شيء؟ » مبتدأ، والخبر:«عندك»، وهنا نقول: إن «شيء» مبتدأ مرفوع بالابتداء بضمة مقدرة على آخره مع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد؛ إذن هي نكرة مقرونة بحرف الجر الزائد فتكون دالة على العموم، يعني: أي شيء يكون، ولكن هذه النكرة مقيدة بأن تكون صالحة للمهر، يعني: هل عندك من شيء يصح أن يكون مهرًا ولا يصدق هذا بحبة الشعير كما قاله الظاهرية، لماذا؟ لأنه شيء وهو عام لكن هذا عام مخصوص بأن يكون هذا الشيء متموَّلا بدليل قوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا}[النساء: ٢٤]، لابد من المال أو المنفعة كما سيأتي.
«فقال: لا والله»، أقسم الرجل أنه ليس عنده شيء، ومعلوم أن الرجل عنده شيء لكن ليس عنده شيء يصدقها إياه، وإلا فهو عنده إزار لا شك، عنده أهل، لكن المراد شيء يصدقها إياه، فقال:«اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا».
لو قال قائل: كيف يأمره أن يذهب إلى أهله ينظر وقد أقسم أنه لا يجد شيئا؟
فالجواب: أن الإنسان يحلف على غلبة ظنه وربما يكون هذا الظن، ولكن لو فتشت لوجدت، وكثيرا ما ينسى الإنسان أشياء في بيته فيقسم أنها ما عنده ويذهب يبحث فيجدها.
«فذهب ثُمَّ رجع فَقَالَ: لا والله ما وجدت شيئًا» ما وجد ولا قرشًا واحدًا يعني: حال الصحابة (رضي الله عنهم) الدُّنيا ليست مفتوحة عليهم، فقال:«انظر ولو خاتما من حديد» يعني: هل عندهم شيء ولو خاتما من حديد. الخاتم معروف، والحديد معروف وهذا يضرب مثلاً