{وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم}[فصلت: ٣٥]. أي: نصيب عظيم. وقوله:"فيها" أي: في الصدقة، "لغني ولا لقوي مكتسب"، الغني هنا فسر بما فسرناه في الغني في الحديث الأول وهو الذي يجد كفايته وكفاية عائلته لمدة سنة، قال:"ولا لقوي مكتسب"، اشترط النبي صلى الله عليه وسلم شرطين: القوة، والاكتساب؛ فإن كان قويًّا ولا كسب له حلت له، وإن كان مكتسبًا لكن لا قوة له فإنها تحل له، كرجل ذي صنعة يعمل، ولكنه مريض لا يستطيع أن يعمل، فهذا تحل له الزكاة.
إذن هذان اثنان: الغني، والقوي المكتسب، فالغني: هو الغني بماله، والقوي المكتسب: هو القوي بصنعته واكتسابه.
هذا الحديث معناه الإجمالي ظاهر.
أما ما يؤخذ منه من الفوائد: فأولًا: أنه يجب على من أراد أن يعطي الصدقة أن ينظر السائل هل هو مستحقُّ أو لا؟ بدليل قوله:"نقلب فيهما النظر" لا سيما إذا وجدت قرائن تدل على أنه غير مستحق كما في هذا الحديث.
ثانيًا: أن الإنسان مقبول قوله في الفقر وعدم التكسب؛ لقوله:"إن شئتما أعطيتكما".
ثالثا: أنه ينبغي- إن لم نقل بالوجوب- لمن عنده زكاة وجاء سائل يسأله، وظن أنه ليس بأهل أن يقول له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لهذين الرجلين:"إن شئت أعطيتك ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب"، أما إذا كان الإنسان يغلب على ظنه أن السائل صادق فإنه لا يلزمه أن يقول ذلك، بل قد يكره له هذا، لأنه يخجله ويكسر قلبه، إذا قال مثل هذا القول.
ومن فوائد الحديث أيضًا: تحريم الصدقة على الغني لقوله: "ولا حظ فيها لغني".
ومنها: تحريمها على القوي المكتسب لقوله: "ولا لقوي مكتسب".
ومنها: أن الغني ينقسم إلى قسمين: غني بالمال، وغني بالكسب والصنعة، لقوله:"لغني ولا لقوي"، ويتفرع على هذه القاعدة: أنه إذا كان لك قريب يستطيع أن يكتسب لقوته ووجود المكاسب فإنه لا يجب عليك الإنفاق عليه؛ كيف ذلك؟ لأن الرسول قارنه بالغني، وهذا يدل على أن الكسب غنى، والحقيقة أن الكسب قد يكون أضمن من المال؛ لأن المال ربما يسرق، ربما يتلف، لكن الكسب هو دائمًا مع صاحبه يتنقل معه لأنه يكسبه ببدنه.
ومن فوائد الحديث: أن الصدقة تحلُّ للفقير إذا لم يكن قويًّا مكتسبًا، يؤخذ هذا من مفهوم قوله:"لغني ولا لقوي مكتسب".
ومن فوائد الحديث: الرد على الجبرية لإثبات المشيئة للعبد في عدة جمل في الحديث كلها فيها الرد على الجبرية، ففي هذا الحديث: إثبات المشيئة للعبد وإثبات الفعل له؛ لأنه قال:"مكتسب"، و"قلَّب" وما أشبه ذلك.