للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن فوائد الحديث: جواز قبول الغني هدية الفقيرة لأن الحديث صريح: "لا تحل إلا لكذا" فلا يقول الإنسان: لا أقبل هدية المسكين؛ لأن هذا يضره وهو أولى بها مني وما أشبه ذلك، تقول: لا؛ لأنه ربما يكون جبر خاطره أحب إليه من المال الذي يرد إليه، وما أكثر الفقراء الذين يفرحون إذا قبل الأغنياء هديتهم، وهذا الحديث وإن كان فيه علة لكن معناه صحيح منطبق على القواعد الشرعية.

٦١٣ - وعن عبيد الله بن عديِّ بن الخيار رضي الله عنه: "أن رجلين حدثاه أنَّهما أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصَّدقة، فقلَّب فيهما النَّظر، قرآهما جلدين، فقال: إن شئتما أعطيتكما، ولاحظَّ فيها لغنيٍّ، ولا لقويٍّ مكتسب". رواه احمد وقوَّاه، وأبو داود والنسائيُّ.

قوله: "أن رجلين حدثاه أنهما أتنا رسول الله"، في هذا إشكال وهو جهالة هذين الرجلين، وهذا يجعل الحديث مردودًا؛ لأن جهالة الراوي قدح في الرواية، فما تقولون؟ جهالة الصحابة لا تضر.

قال: "يسألانه من الصدقة"، "السؤال" يطلق على طلب المال، ويطلق على الاستخبار والاستفهام عن الشيء، فإن كان للمعنى الأول تعدى إلى المفعول الثاني بنفسه، وإن كان للمعنى الثاني تعدى إلى المفعول الثاني بلفظ "عن"، فتقول: "سألت فلانًا مالًا" هذا سؤال العطاء، و"سألت فلانًا عن كذا" سؤال الاستفهام، ولهذا قال الله تعالى: {يسألونك ماذا أحل لهم} [المائدة: ٤]. {ويسألونك عن الجبال} [طه: ١٠٥]. {ويسألونك عن اليتامى} [البقرة: ٢٢٠]. وأمال سأل بمعنى طلب الإعطاء فإنه يتعدى بنفسه إلى المفعول الثاني، مثل: "سألت زيدًا مالًا"، وقد يتعدى بـ"من" مثل قوله تعالى: {وسئلوا الله من فضله} [النساء: ٣٢]. إذا قلت: يراد بها بيان الجنس هنا "يسألانه من الصدقة" فمن أي النوعين؟ من سؤال العطاء المعدَّى بـ"من" مثل: {وسئلوا الله من فضله} [النساء: ٣٢].

"يسألانه من الصدقة" أي: من الزكاة؛ لأن غالب ما يكون عند الرسول صلى الله عليه وسلم من الزكوات، "فقلب فيهما النظر" يعني: أنه جعل ينظر إليهما بإمعان ودقة، "فرآهما جلدين" أي: قويين، والجلد معناه: القوة والصبر ومنه تجلد على كذا، أي: تصبر عليه، فمعنى جلدين، أي: قويين، فقال: "إن شئتما أعطيتكما، ولاحظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب"، قال الإمام أحمد: ما أجوده من حديث يقول: "إن شئتما أعطيتكما"، يعني: أنه- عليه الصلاة والسلام- لا يردُّ سائلًا، لكن أراد هنا أن يبين لهما الحكم، فإن كانا من أهل الصدقة أعطاهما، وإن لم يكونا من أهل الصدقة لم يعطهما، ولكنه بين فقال: "لاحظ فيها" "الحظ" بمعنى: النصيب، ومنها قوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>