للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطائفة الثانية أن يصلوا دل ذلك علي أنها واجبة وجوب عين، وأما من السنة فالأدالة في ذلك كثيرة منها هذا الحديث:

٣٨٠ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمره بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلًا فيؤم الناس، ثم أخالف إلي رجال لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقًا سمينًا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء". متفق عليه. واللفظ للبخاري.

انظر كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أقسم، هل أحد استحلفه؟ لا، إذن لماذا أقسم بدون أن يستحلف؟ لأهمية الأمر، لا يقسم الرسول صلى الله عليه وسلم علي شيء بدون أن يستحلف إلا لما في ذلك من الأهمية، أقسم صلى الله عليه وسلم أنه هم وأكد هذا الهم بالقسم واللام وقد- فقال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب" يجمع، "ثم آمر رجلًا فيصلي بالناس"، يعني: إمامًا، "ثم أخالف إلي رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم" بالنار، الرسول صلى الله عليه وسلم أحرق عليهم، هل نقول: إن المراد يحرقها وهم فيها أو يحرقها عليهم، أي: يفسدها عليهم بالإحراق؟ لفظ الحديث يحتمل أنه يحرقها وهم فيها، أو يحرقها عليهم، أي: يفسدها عليهم، وأيا كان- فسواء كان علي الاحتمال الأول أو الثاني- فإن إحراقها إفساد للمال، ولا يجوز إفساد المال إلا بشيء واجب؛ أن المحرم لا ينتهك إلا من أجل شيء واجب، لا ينتهك من أجل شيء مباح.

فعلي كل حال: أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه هم أن يحرق بيوت المتخلفين عن الصلاة؛ يعني: يحرقها عليهم بالنار، فدل ذلك علي وجوب حضور الجماعة، ووجه الدلالة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما هم بشيء محرم لولا أن ذلك في مقابل ترك واجب.

قال بعض الناس الذين يرون أنها لا تجب: إنه هم ولم يفعل، نقول: لكن لولا أن هذا الهم له أثر لكان ذكره عبثًا ولغوًا، ما الفائدة في أن يخبرنا إذا صار همًا ولم يفعل ولم يرد أن يفعل فيكون إبلاغه إيانًا بذلك لغوًا لا فائدة منه، ولا شك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا بذلك لنعلم مدي أهمية الصلاة مع الجماعة، وأنها تصل إلي هذه الدرجة أن يهم أرحم الخلق بالخلق بتحريق بيوت هؤلاء المتخلفين عليهم بالنار، ودلالة هذا علي الوجوب من أوضح ما يكون، ثم إنه قال صلى الله عليه وسلم ذلك مبينًا أن هؤلاء المتخلفين عن الجماعة مع عظم فضلها لو أنهم حصلوا علي شيء من الدنيا زهيد لكانوا يأتون إليه بكل سهولة، وهذا كقوله تعالي: {بل قلوبهم في غمرة من هذا} [المؤمنون: ٦٣]، يعني: قلوبهم مغطاة عن أحوال الآخرة، {ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون (٦٣)}

<<  <  ج: ص:  >  >>