[المؤمنون: ٦٣]، أي: أن هؤلاء لهم أعمال الدنيا يعملونها تمامًا، ولهذا أتي بالجملة الاسمية {هم لها عاملون} يعني: يعملونها تمامًا، لكن أمر الآخرة قلوبهم في غمرة من هذا:{ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون}، وهو كقوله تعالي: {لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد (٢٢)} [ق: ٢٢]، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في بيان حال هؤلاء المتخلفين عن الصلاة مع فضلها وأن همتهم دنيا فاسدة، قال:"والذي نفسي بيده لو يجد أحدهم عرقًا سمينًا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء"، العشاء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ليست كما في عهدنا، في عهدنا الأنوار مضيئة والشوارع مزفلتة لا غبار ولا ظلمة، لكن في عهد الرسول مشقة في الحضور إلي صلاة العشاء، هؤلاء لو يجد أحدهم عرقًا سمينًا أتدري ما هو العرق؟ العرموش: العظم إذا أكل لحمه ولم يبق إلا بقية لحم أو ما أشبه ذلك، هذا هو العرق، "أو مرماتين"، المرماتان هما: ما بين أظلاف الشاة من اللحم أو ما بين أضلاعها، وكلاهما شيء زهيد وحقير، لكن هؤلاء لو يجدون من الدنيا هذا الشيء الحقير لشهدوا العشاء مع مشقة حضورها، لكن لأنهم يريدون الدنيا وهذه حال كثير من الناس لا أقول حال أكثر الناس، لا، حال كثير من الناس، تجده مثلًا يقف عند واحد يشتري حاجة يربح فيها نصف ريال أو مائة ريال ويترك الجماعة التي يربح فيها الريالات والحسنات المضاعفة تصل سبعًا وعشرين درجة! يترك هذا مع أن نصف الريال الذي يكسبه في الدنيا أين يذهب؟ يذهب بولًا أو غائطًا أو عرقًا كله منتن الرائحة، وما يبقي بعده يرثه من لا يقل رحمه الله وربما يبذله في معصية الله فيكون خسارة عليه من الناحيتين، لكن ثواب الآخرة يبقي إلي أبد الآبدين، ما يزول ولا يفني ولا ينقص، مدخر عند الله عز وجل؛ {فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره (٧)} [الزلزلة: ٧]، إذن في هذا الحديث دليل علي حبوط همة هؤلاء وعلي قصر نظرهم، كيف يأتون إلي الحقير من الدنيا ويدعون الآخرة وهي أعظم وأكثر أجرًا، ولكن فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
ففي قوله صلى الله عليه وسلم:"ثم أخالف إلي رجال" دليل علي النساء لا تجب عليهن الجماعة وهو كذلك، وهو محل إجماع من أهل العلم أن المرأة لا تجب عليها الجماعة، لكن لها أن تحضر بشرط ألا تكون متبرجة ولا متطيبة ولا مرتدية ما يكون فيه فتنة.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يشهدون الصلاة" دليل علي أنه يجب الحضور مع جماعة المسلمين، وجماعة المسلمين أين تكون؟ في المساجد، فيكون فيه دليل علي وجوب حضور الجماعة في المساجد، وأما من قال من أهل العلم: إن الواجب إقامة الجماعة ولول في البيوت فإنه قول ضعيف، وقد ذهب إلي هذا من ذهب من أهل العلم وقال: إن الواجب الجماعة دون المساجد، وقال بعضهم: الواجب الجماعة، أما المساجد ففرض كفاية؛ بمعني: إذا صلى بها من يكفي وجب علي