-عليه الصلاة والسلام- في قصة المرأتين اللتين أخذ الذئب ولد إحداهما فحكم به داود للكبرى، ولكن سليمان دعا بالسكين وقال: أشقه بينكما نصفين، فقالت الصغرى: هو لها، وقالت الكبرى: شقه ليس عندي مانع، فقضى به للصغرى لوجود القرينة.
وهذه المسألة يوفق لها بعض القضاة: أي: استخراج الحق عن طريق الاستدراج، إذا علم أن الحق خلاف ما سمع، أما إذا لم يتبين له فيجب أن يقضي بنحو ما يسمع.
وحدثني ثقة عن بعض القضاة أن شخصين حصل بينهما عقد على مزارعة، يعني: يعطيه الأرض يزرعها بسهم، وقع العقد في أول الشتاء والأمطار قليلة، في مثل هذا يكون جزء مالك الأرض قليلا: لأن المزارع سوف يعمل كثيرا في السقي وغيره، المهم أنه تم العقد بينهما في أول الشتاء وكانت الأمطار قليلة وكان سهم المالك قليلا أراد الله عز وجل فنزل المطر وارتفعت الأسهم فعاد المالك إلى هذا المزارع وقال له: يا فلان، يبقى نظر؛ لأنها طلبت مني بكذا وكذا، يعني: أتى واحد إلى صاحب الأرض وقال له: أنا أريد أن أزرعها بسهم أكثر مما تم العقد عليه فقال: يا فلان، هل لك نظر فيها، يعني: هل تزيد؟ قال: سبحان الله ألست قد عقدت معك؟ قال: لا ما عقدت، فقال: ألك شهود؟ قال: لا، بني وبينك الله، ما عندي شهود، قال: نحن نذهب إلى القاضي، فذهبا إلى أحد القضاة وجلسا عنده وكان ذا فراسة وعالما بأحوال الناس وعرف أن الصواب مع المزارع، فأدلى كل واحد منهما بحجته، وكان هذا القاضي يعرف أن هذه الأرض موقوفة، فقال القاضي للمزارع: يا فلان، هذا الرجل ناظر على الوقف، والناظر يجب عليه أن يتبع الأصلح، وما دام العقد الذي بينكما كان في زمن الرخص لم تنبت الأرض إلى الآن وزادت الأسهم فهو يريد الأفضل للوقف حتى لو تم العقد بينكما، يعني: هذا أمانة، يقوله لمن؟ لصاحب الأرض المالك: قال: صحيح يا شيخ جزاك الله خيرا قال: إذن الأرض للمزارع.
انظروا كيف استدرجه حتى أقر بأنه عقد، لكن زادت الأسهم فتراجع، المهم أن القضاء يحتاج إلى ذكاء وفراسة وفطنة كما شهد شاهد في قضية يوسف قال:{قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين}[يوسف: ٢٦ - ٢٧]. فمثل هذه الأمور والقرائن ينبغي للقضاة وغير القضاة أن يدركوها حتى ينتفعوا بها.
ومن فوائد الحديث: أن قضاء القاضي لا يحل الحرام، وعلى هذا فيكون قضاء القاضي