وسطه يزداد فورانه، والحجامة في هذا وفي هذا ليست جيدة؛ لأنها في حال فوران الدم ربما يخرج دم كثير من الإنسان يضره وفي حال انقباضه وغوره ربما تكون الحجامة مؤثرة؛ لأن الدم يكون أنقص، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد الأوقات التي ينبغي أن يحتجم فيها الإنسان، من أراد أن يطلع عليه فليفعل.
يقول:"احتجم وأعطى الذي حجمه أجره"، ولم يبين الأجر؛ لأنه لا فائدة من بيانه.
ثم قال:"ولو كان حرامًا لم يعطه" يعني: لو كان أجر الحاجم حرامًا لم يعطه النبي صلى الله عليه وسلم إياه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يفعل الحرام؛ لأنه مشرع؛ ولأنه أتقى الناس لله عز وجل وأخشاهم له فعلا يفعل.
٨٧١ - وعن رافع بن خديجٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كسب الحجام خبيث» رواه مسلم.
هل كسب الحجام من البيع بالبر والرز والسكر والثياب؟ لا، ولكن من حجامته، من أين نأخذ من حجامته؟ من الوصف، يعني: كسب الحجام بحجامته كما لو قلت: المتقي في الجنة من أجل تقواه.
"كسب الحجام خبيث" يعني: أجرة الحجام التي يكتسبها من حجماته خبيثة، الخبيث يطلق على الحرام، ويطلق على الرديء، ويطلق على المكروه الذي تكرهه النفوس وتعافه النفوس، فمن إطلاقه على الحرام قوله تعالى:{ويحل لهم الطيبت ويحرم عليهم الخبئث}[الأعراف: ١٥٧]. إذن يحرم المحرمات، فالخبيث هنا المحرم، ومن إطلاقه على الردي قوله تعالى:{ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون}[البقرة: ٢٦٧]. الخبيث: يعني: الرديء، ومن إطلاقه على ما تعافه النفس وتكرهه قول النبي صلى الله عليه وسلم في البصل والثوم:«إنها شجرة خبيثة»، يعني: تكرهها النفوس وتعافها.
نأتي إلى كسب الحجام هل نقول: إن المراد بقوله "خبيث": حرام؟ ممكن، هل المراد بذلك أن النفس تعافه؟ ممكن، هل المراد أنه رديء مخالف للمروءة؟ ممكن، إذن ما دام الاحتمال قائمًا بين هذا وهذا وهذا فإنه لا يمكن الاستدلال بالحديث على التحريم، لماذا؟ لأنه مع قيام الاحتمال سقط الاستدلال، إذ لا يتعين أن المراد بالخبيث: الحرام، ولهذا احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره، ولو كان المراد بالخبيث الحرام لم يعطه، وكان الذي ينبغي من حيث الترتيب أن يذكر حديث ابن عباس بعد حديث رافع لأجل أن يرفع حديث ابن عباس الوهم الذي يحصل من حديث رافع، لكن على كل حال المسألة من باب الأولوية.