للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذان الحديثان - كما ترون - قد يبدو بينهما تعارض، فإن حديث رافع بن خديج احتمال أن يكون المراد به التحريم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وصفه بالخبيث من أجل المبالغة في التنفير عنه، ولم يقل: لا يأخذ الحجام الأجرة، بل قال: خبيث مبالغة في النفير عنه، وإلى هذا ذهب بعض العلماء وقال: إنه لا يجوز أن يأخذ أجرة على حجامته، لكن هذا القول ضعيف ويضعفه حديث ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره.

ثانيًا: يضعفه أن لقوله: "كسب الحجام خبيث" ثلاثة معانٍ، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال.

ثالثاً: أنه مخالف لقواعد الشريعة؛ لأن القاعدة الشرعية أن ما جاز أخذ العوض عنه كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرم شيئًا حرم ثمنه»، فمفهومه: أنه إذا أباح شيئا أباح ثمنه، وإذا كان عملاً فإن ثمنه الأجرة، فإذا أبيح العمل أبيحت أجرته.

والحجامة هل هي حرام أو حلال؟ حلالا، هذا أدنى ما يقال فيها، فإذا كانت حلالاً فأخذ العوض عليها حللا، وبهذا تبين أن الذين قالوا بتحريم كسب الحجام واستدلوا بالحديث تبين أن قولهم هذا ضعيف لوجوه ثلاثة.

هل يمكن أن نستدل بمعنى آخر وهو أننا لو قلنا بأن كسب الحجام حرام لأدى ذلك إلى عدم وجود الحجامين؟ نعم، فتعطل مصلحة للمسلمين وهي الحاصلة بالحجامة؛ لأننا لو قلنا للحجام استأجر حانوتًا وهات كراسٍ وهات آلات الحجامة، واقتطع جزءًا كبيرًا من وقتك لتحجم الناس ثم إياك أن تأخذ منهم قرشًا لأنه حرام ماذا يقول؟ يقول: لا أشتغل، فيتعطل شيء فيه مصلحة وهي الحجامة.

من فوائد حديث ابن عباس: جواز الحجامة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم، بل إن الحجامة أحيانًا تكون مطلوبة وذلك فيما إذا تضرر الإنسان بتركها، والذين يعتادونها إذا تركها يتضررون ويبتعهم فوران الدم حتى يحتجموا.

ومن فوائد الحديث: أن الحجامة طب نبوي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعلها.

ومن فوائد الحديث: أن أجرة الحاجم حلال، وجهه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الحاجم أجره، ولو كان حرامًا لم يعطهز

ومن فوائده: الاستدلال بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأن الأصل أن لنا فيه أسوة هذا هو الأصل، فلو ادعى مدعٍ الخصوصية قلنا: عليك الدليل، وبهذا نعرف ضعف ما سلكه بعض العلماء المتأخرين

<<  <  ج: ص:  >  >>