للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كالشوكاني رحمه الله في أنه أدنى معارضة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم مع فعله يحملها على الخصوصية مع أن الجمع ممكن، وهذا لا شك أنه خطأ؛ لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم حجة وسنة كما أن قول كذلك، فمتى أمكن الجمع بين الفعل والقول وجب الجمع بينهما، ولا يحمل على الخصوصية إلا إذا تعذر الجمع.

ومن فوائد الحديث: بيان فقه ابن عباس رضي الله عنه وأنه أتى بدليل منطقي في مقدمة ونتيجة قال: "أعطاه ولو كان حرامًا لم يعطه"، وبه نعرف أن ما ذهب إليه المنطقيون من تضخيم على المنطق، وأن من لم يحط به علمًا على يقين من أمره، ولهذا قالوا: لابد أن نتعلم المنطق من أجل أن نعتقد المعتقد الصحيح، ولكن شيخ الإسلام قابل هذه الدعوى عندهم فقال: إني كنت أعلم دائمًا أن المنطق اليوناني لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد، إذن فهو إضاعة وقت.

أما حديث رافع بن خديج وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كسب الحجام خبيث" ففيه دليل على دناءة كسب الحجام، واستدل به بعض العلماء على أن كسب الحجام حرام، ووجه استدلاله بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كسب الحجام خبيث ومهر البغي خبيث»، فقرنه بمهر البغي، والبغي هي الزانية، ومهرها هو ما تعطاه على الزنا، ومعلوم أنه حرام، قالوا: فهذا دليل على أن كسب الحجام حرام، ولكن يعارض هذا الاستلال بما استدل به عبد الله بن عباس من أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الحجام أجره ولو كان حرامًا لم يعطه، ثم نقول: إن دلالة الاقتران ضعيفة، صحيح هي قرينة لكنها ليست لازمة بمعنى: أنه إذا اقترن شيئان في حكم لا يلزم أن يكونا فيه سواء وإلا فلا شك أن اقترانهما يدل على تساويهما، ودليل هذا قوله تعالى: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينةً} [النحل: ٨]. فقرن الخيل بالبغال والحمير، وبالبغال والحمير حرام، والخيل حلال، استدل الحنفية على تحريم الخيل بهذه الآية، وقالوا: إن الخيل حرام؛ لأن الله تعالى قرن الثلاثة في حكم واحد، كما قلت لكم: إن دلالة الاقتران ضعيفة، ولكنها قوية من وجه، فإذا قلنا بأن الآية دالة على التحريم مثلاً في الثلاثة قلنا: الآية لا تدل على تحريم الأكل بل إنما تدل على أغلب الانتفاع بها وهو الركوب والزينة، أما الأكل فليس في الآية تعرض له هذا من وجه، من وجه آخر أنه قد ثبت في صحيح مسلم من حديث أسماء رضي الله عنها قالت: "نحرنا فرسًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في المدينة وأكلناه"، وهذا نص صريح عن أن الخيل حلال، إذن رددنا هذا الاستدلال بكون كسب الحجام حرامًا بما ذكره ابن عباس رضي الله عنه، وذهب بعض أهل العلم إلى أن كسب الحجام إن كان أجرة يعني: معاقدة فهو حرام وإن أعطي على ذلك مكافأة فهو

<<  <  ج: ص:  >  >>